المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبحث الاجتهاد والخلاف


حامل الراية
12-27-2009, 07:17 PM
الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم

قال ابن القيم فى " إعلام الموقعين " : إذا قال الصحابى قولاً ، فإما أن يخالفه صحابى آخر أولا ، فإن خالفه مثله لم يكن قول احدهما حجة على الآخر ، وإن خالفه أعلم منه كالخلفاء الراشدين أو بعضهم حجه على الآخرين ؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد ، والصحيح أنه أرجح، فإن كان الأربعة فى شق فلا شك أنه الصواب ، وإن كان أكثرهم فى شق فالصواب فيه اغلب ، فإن كانوا اثنين واثنين فشق أبى بكر وعمر أقرب إلى الصواب ، فإن أختلفا فالصواب مع أبى بكر وعمر أقرب إلى الصواب ، فإن أختلفا فالصواب مع أبى بكر ، وهذه جملة لايعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع ، ويكفى فى ذلك معرفة رجحان قول الصديق فى الجد والإخوة ، وكون الطلاق بفم واحد مرة واحدة ، وإن تلفظ فيه بالثلاث ، وجواز بيع أمهات الأولاد ، ولايحفظ للصديق خلاف نص واحد ابداً ولافتوى ولاحكم مأخذهما ضعيف أبداً ، فإن اشتهر فالذى عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة ، وقالت طائفة منهم : هو حجة وليس بأجماع، وقال بعض الفقهاء المتأخرين ، لايكون إجماعاً ولاحجة وإن لم يشتهر أو لم يعلم هل اشتهر ام لا ؟ فاختلف الناس هل يكون حجة ؟
فالذى عليه جمهور الامة انه حجة ، هذا قول جمهور الحنفية ، صرح به محمد بن الحسن ، وهو مذهب مالك وأصحابه ، وإسحاق وأبى عبيد، ومنصوص أحمد ، ومنصوص الشافعى فى القديم والجديد ، والذين قالوا ليس بحجة قالوا : لأن الصحابى مجتهد يجوز عليه الخطأ ، ولان الأدلة الدالة على بطلان التقليد تعم تقليد الصحابى ومن دونه ، ولأن التابعى إذا أدرك عصر الصحابة اعتد بخلافه ، فكيف يكون قول الواحد حجه عليه ، ولأن الأدلة قد انحصرت فى الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب ، وقول الصحابى ليس واحداً منها ، ولان امتيازه بكونه أفضل وأعلم لايوجب وجوب اتباعه على مجتهد آخر من التابعين 0
فنقول : الكلام فى مقامين :
(أحدهما ) فى الأدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة رضى الله عنهم 0
(الثانى )فى الجواب عن شبه النفاة .
فأما الأول فمن وجوه :-
الوجه الأول :
ما احتج به مالك ، وهو قوله تعالى : (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) الآية ، فوجه الدلالة أن الله سبحانه أثنى على من اتبعهم ، فاذا قالوا فاتبعهم متبع عليه قبل ان يعرف صحته فهو متبع لهم ، ولو كان تقليداً محضا كتقليد بعض المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إلا ان يكون عاميا ً ، فأما العلماء فلا يجوز لهم اتباعهم 0
فإن قيل : اتباعهم هو أن يقول ماقالوا بالدليل ، والدليل قوله :( بإحسان ) ، ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان ، لانه لو كان مطلق الاتباع محموداً لم يفرق ، وأيضا فيجوز ان يراد به اتباعهم فى اصول الدين ، وقوله : (بإحسان) أى بالتزام الفرائض واجتناب المحارم ، ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساءوا ، لقوله: " ومايدريك أن الله قد وجب لهم الرضوان وإن اساءوا ،لقوله : " ومايدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم "0
وايضا فالثناء على من اتبعهم كلهم ، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه ، وايضا فالثناء على من اتبعهم لايقضي وجوبه وانما يدل على جواز تقليدهم ، وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة ، او الأعلم كقول اخرى ، اما الدليل على وجوب اتباعهم فليس فى الآية مايقتضيه 0
فالجواب من وجوه :
أحدها : ان الاتباع لايستلزم الاجتهاد لوجوه :
أحدها :أن الاتباع المامور به فى القرآن كقوله : (فاتبعونى يحببكم الله ) ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) ونحوه لايتوقف على الاستدلال على صحة القول مع الاستغناء عن القائل0
الثانى ، انه لو كان المراد اتباعهم فى الاستدلال لم يكن فرق بين السابقين وبين جميع الخلائق ، لان اتباع موجب الدليل يجب ان يتبعه كل أحد 0
الثالث، أنه إما ان تجوز مخالفتهم فى قولهم بعد الاستدلال أولا ، فإن لم تجز فهو المطلوب ، وإن جازت فقد خولفوا فى تخصيص الحكم واتبعوا فى حسن الاستدلال ، فليس جعل من فعل ذلك متبعا لموافقتهم فى الاستدلال بأولى من جعله مخالفا لمخالفته فى عين الحكم 0
الرابع ، أن من خالفهم فى الحكم الذى افتو به لايكون متبعا لهم اصلاً ، بدليل أن من خالف مجتهدا لايصح أن يقال اتبعه ، وإن أطلق ذلك فلابد من تقييده بأن يقال : اتبعه فى الاستدلال أو الاجتهاد 0
الخامس ، ان الاتباع افتعال من التبع ، وكون الإنسان تابعاً لغيره نوع افتقار ومشى خلفه ، وكل واحد من الجتهدين ليس متبعا للآخر 0
السادس ، ان الآية قصد بها مدح السابقين والثناء عليهم وبيان استحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين ، وبتقدير الا يكون قولهم موجباً للموافقة ولا مانعاً من المخالفة لايكون لهم هذا المنصب0
السابع : ان من خالفهم الحكم لم يتبعهم فى ذلك الحكم ولافيما استدلوا به عليه ، فلا يكون متبعاً لهم بمجرد مشاركتهم فى صفة عامة وهى مطلق الاستدلال والإجتهاد ، لاسيما وتلك لااختصاص لها به لان ماينفى الاتباع ، اخص مما يثبته ، وإذا وجد الفارق الاخص والجامع الاعم وكلاهما مؤثر كان التفريق أولى 0
واما قوله : (بإحسان ) فليس المراد به ان يجتهد ، وافق أو خالف ، لأنه اذا خالف لم يتبع فضلا عن أن يكون بإحسان ، ولأن مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم ، لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم فى الاعتقاد والقول ، فلابد مع ذلك ان يكون المتبع محسنا بأداء الفرائض واجتناب المحارم ، لئلا يقع اغترار بمجرد الموافقه قولا ً ، وايضاً فلا بد ان يحسن المتبع لهم القول فيهم ، اشترط الله ذلك لعلمه بأان سيكون أقوام ينالون منهم ، وهذا مثل قوله بعد ان ذكر المهاجرين والانصار (والذين جاءوا من بعدهم ) الآية وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح ، لأن الاتباع عام ، ولان من اتبعهم فى اصول الدين فقط لو كان متبعا لهم علي الاطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتابين ، ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها ، وايضاً فإنه إذا قيل : فلان يتبع فلاناً، ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية ، فإنه يقتضى اتباعه فى كل الامور التى يتأتى فيها الاتباع ، لأن من اتبعه فى حال وخالفه فى أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع بأولى من وصفه بأنه مخالف ، ولأن الرضوان حكم تعلق باتباعهم فيكون الاتباع سببا له ، لأن الحكم المعلق بماهو مشتق يقتضى أن مامنه الاشتقاق سبب ،وإذا كان اتباعهم سببا للرضوان أقتضى الحكم فى جميع موارده ، ولأن الاتباع يؤذن بكون الإنسان تبعا لغيرة وفرعاً عليه ، وأصول الدين ليست كذلك ، ولان الآية تضمنت الثناء عليهم وجعلهم ائمة لمن بعدهم ، فلو لم يتناول إلا اتباعهم فى اصول الدين لم يكونوا أئمة فى ذلك لأن ذلك معلوم مع قطع النظر عن اتباعهم0
واما قولهم إن الثناء على من اتبعهم كلهم ، فنقول : الاية اقتضت الثناء على كل من اتبع كل واحد منهم ، كما أن قوله : ( والسابقون الأولون ....والذين اتبعوعهم)يقتضي حصول الرضوان لكل واحد من السابقين واللذين اتبعوهم فى قوله: ( رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى ) وكذلك في قوله : (اتبعوهم ) لأنه حكم علق عليهم فى هذه الآية ، فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين 0
وأيضا فإن الاصل فى الأحكام المعلقة بأسماء عامة ثبوتها لكل فرد من تلك المسميات كقوله : ( واقيموا الصلاة ) وقوله: ( لقد رضى الله عن المؤمنين ) ، وقوله ( وكونوا مع الصادقين ) 0
وأيضا فإن الاحكام المعلقة على المجموع يؤتى فيها باسم يتناول المجموع دون الافراد ، كقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ، وقوله ( كنتم خير أمة ) ، وقوله ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) ، فإن لفظ الأمة ولفظ سبيل المؤمنين لايمكن توزيعه على افراد الأمة وأفراد المؤمنين ، بخلاف لفظ السابقين فإنه يتناول كل فرد من السابقين 0
وأيضا فالآية تعم اتباعهم مجتمين ومنفردين فىكل ممكن فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا ، واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم فقد صدق عليه انه اتبع السابقين ، اما من خالف بعض السابقين فلا يصح ان يقال اتبع السابقين ، لوجود مخالفته لبعضهم ، لاسيما إذا خالف هذا مرة وهذا مرة ، وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا أختلفوا ، فإن اتباعهم هناك قول تلك الأقوال بأجتهاد واستدلال ، إذ هم مجتمعون على تسويغ كل واحد من الأقوال لمن ادى اجتهاده إليه ، فقد قصد اتباعهم ايضاً ، أما إذا قال قولا ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول 0
وأيضا فالآية تقتضى اتباعهم مطلقاً، فلو فرضنا ان الطالب عثر على نص يخالف قول احد منهم ، فقد علمنا انه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه ، اما إذا راينا رأيا ، فقد يجوز أن يخالف ذلك الراى 0
وايضا فلو لم يكن اتباعهم إلا فيما اجمعوا عليه ، لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم انه من دين الاسلام بالاضطرار ، لأن السابقين الاولين خلق عظيم ، ولم يعلم انهم اجمعوا إلا على ذلك ، فيكون هذا الوجه هو الذى قبله ، وقد تقدم بطلانه ، إذ الاتباع فى هذا غير مؤثر 0
وايضا فجميع السابقين قد مات منهم أناس فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ فلا يحتاج إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
ثم لو فرضنا احداً إذ ذاك لكان من السابقين ، فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين ، وأيضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمعتذر ، وايضا فإنهم إنما استحقوا منصب الامامة بكونهم هم السابقين ، وهذه صفة موجودة فى كل واحد منهم ، فوجب ان يكون أماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة 0
وأما قولهم : ليس فيها مايوجب اتباعهم ، فنقول : الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان ، وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام فلا يكون اتباعهم قولاً بغير علم ، بل قولا بعلم ، وهو المقصود ، وحينئذ فسواء يسمى تقليدا ً أو اجتهاداً 0
وايضا فإن كان تقليد العالم حراما كما هو قول الشافعية والحنابلة فاتباعهم ليس بتقليد ، لأنه مرضى ، وإن كان تقليدهم جائزا او مستثنى من التقليد المحرم ، فلم يقل أحد : إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان فعلم ان تقليدهم خارج عن هذا ، لن تقليد العالم وإن كان جائزا فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد جائز بالاتفاق ، والشىء المباح لايستحق به الرضوان ، وأيضا فإن رضوان الله غاية المطالب ولاينال إلا بأفضل الاعمال ، ومعلوم ان التقليد ليس بأفضل الاعمال ، بل الاجتهاد افضل منه ، فعلم ان اتباعهم هو افضل مايكون فى مسالة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم ، وان اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله ، فلاريب ان رجحان أحد القولين يوجب اتباعه ، وقولهم أرجح بلا شك 0

وأيضاً فأن الله أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان، والتقليد وظيفة العامة، فلو أريد التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة النصيب الأوفى، وكان حظ علماء الأمة من هذه الآية ابخس الحظوظ 0

وأيضاً فإذ اكان اتبعهم موجب الرضوان لم يكن تركه موجب الرضوان ، لأن الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده 0

وأيضا فإن طلب رضوان الله واجب ، لأنه إذا لم يوجب رضوانه فإما سخطه أو عفوه ، والعفو بعد انعقاد سبب الخطيئة 0

وأيضا فإنه إنما اثنى على المتبع بالرضوان ، ولم يصرح بالوجوب ، لأن إيجاب الاتباع يدخل فيه الاتباع بالأفعال ، ويقتضى تحريم مخالفتهم مطلقاً، فيقتضى ذم المخطىء ، وليس كذلك ، أما الاقوال فلا وجه مخالفتهم فيها بعد أن ثبت ان فيها رضى الله 0

وأيضا فإن القول إذا ثبت أن فيه رضى الله لم يكن رضى الله فى ضده بخلاف الافعال ، فقد يكون رضى الله فى الافعال المختلفه وفي الترك بحسب قصدين وحالين ، أما الاعتقادات والاقوال فليست كذالك فإذا ثبت أن فى قولهم رضى الله لم يكن الحق إلا هو ، فوجب اتباعه 0

فإن قيل : السابقون هم الذين صلوا إلى القبلتين ، أو هم أهل بيعة الرضوان ومن قبلهم ، فماالدليل على اتباع من أسلم بعد ذلك؟

قيل : إذا ثبت وجوب اتباع أهل بيعة الرضوان فهو أكبر المقصود ، على انه لاقائل بالفرق ، وكل الصحابه سيابق بالنسبة إلى من بعدهم 0




الوجه الثانى :

قوله تعالى : ( اتبعوا من لايسألكم أجرا وهم مهتدون ) هذا قصه الله سبحانه عن صاحب (يس) على سبيل الرضا بهذه المقالة ، والثناء على قائلها ، والإقرار له عليها وكل الصحابة رضى الله عنهم لم يسألنا أجراً ، وهم مهتدون ، بدليل قوله تعالى : (وكنتم على شفا حفرة من النار ) الآية و"لعل" من الله واجب ، وقوله (واللذين اهتدوا زادهم هدى) وقوله : ( سيهديهم ويصلح بالهم ) وقوله : (واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وكل منهم قاتل فى سبيل الله ، وجاهد إما بيده أو بلسانه ، فيكون الله قد هداهم ، ومن هداه الله فهو مهتد ، فيجب اتباعه للآية 0

الوجه الثالث :

قوله سبحانه وتعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلى ) وكل من الصحابة منيب إلى الله ، فيجب اتباع سبيله وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله ، والدليل على أنهم منيبون إلى الله أن الله سبحانه قد هداهم ، وقد قال تعالى : ( ويهدى إليه من ينيب ) 0

حامل الراية
12-27-2009, 07:18 PM
الوجه الرابع :

قوله تعالى : ( قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة وأنا ومن أتبعنى ) فأخبر سبحانه أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله على بصيرة ، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه ، لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن ورضيه : ( ياقومنا أجيبو داعى الله )0


الوجه الخامس :

قوله سبحانه وتعالى : ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) قال ابن عباس فى رواية أبى مالك : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، والدليل عليه قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) وحقيقة الاصطفاء افتعال من التصفية ، فيكون قد صفاهم من الاكدار ، والخطأ من الاكدار ، فيكونون مصفين منه ، ولاينتقض هذا بما إذا إختلفوا ، لإن الحق لم يعدهم ، ولايكون قول بعضهم كدراً لن مخالفة الكدر وبيانه يزيل كونه كدراً0

الوجه السادس :

أن الله سبحانه شهد أنهم أتوا العلم ، بقوله تعالى : ( ويرى اللذين أتوالعلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) وقوله : ( حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين اتو العلم ماذا قال آنفاًُ )وقوله : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) واللام فى العلم ليست للاستغراق ، وإنما هى للعهد ، اى العلم الذى بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانوا قد أتوا هذا العلم ، كان اتباعهم واجباً0

الوجه السابع :

قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية شهد لهم سبحانه أنهم يأمرون بكل معروف ، وينهون عن كل منكر ، فلو كانت الحادثة فى زمانهم لم يفت فيها إلا من اخطأ منهم ، لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ، ولانهى عن منكر ، إذ الصواب معروف ، والخطأ منكر من بعض الوجوه ، ولولا ذلك لما صح التمسك بهذه الآية على أن الإجماع حجة 0

الوجه الثامن :

قوله تعالى : ( يأيها اللذين آمنو اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)
قال غير واحد من السلف : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولاريب أنهم أئمة الصادقين ، وكل صادق بعدهم فبهم يأتم في صدقه ، بل حقيقه صدقه اتباعه لهم وكونه معهم ، ومعلوم ان من خالفهم فى شيء وإن وافقهم فى غيره لم يكن معهم فيما خالفهم فيه ، فتنفي عنه المعية المطلقة ، وإن ثبت له قسط من المعية فيما وافقهم فيه ، فلايصدق عليه أنه معهم بهذا القسط ، وهذا كما نفى الله ورسوله الإيمان المطلق عن الزاني والشارب والسارق ، وهذا كما أن اسم الفقيه والعالم عند الإطلاق لايقال لمن معه مسألة اومسالتان ، وإن قيل : معه شيء من العلم 0 ففرق بين المعية المطلقة ومطلق المعية ، ومعلوم أن المأمور به الأول لاالثانى ، فإن الله سبحانه لم يرد منا ان نكون معهم فى شيء من الاشياء ، وأن نحصل من المعية مايصدق عليه الاسم ، وهذا غلط عظيم فى فهم مراد الرب من أوامره ، فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ونحو ذلك ، لم يرد أن ناتى من ذلك بأقل مايطلق عليه الاسم 0

الوجه التاسع :

قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه وتعالى اخبر أنه جعلهم أمة خيارا عدلاً ، هذا حقيقة الوسط ، فهم خير الأمم واعدلها فى أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم ، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على اممهم يوم القيامة ، والله سبحانه يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه ، ولهذا نوه بهم ، ورفع ذكرهم ، واثنى عليهم ، لأنه سبحانه لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء ، وأمر ملائكته ان تصلى عليهم ، وتدعو لهم ، وتستغفر لهم ، والشاهد المقبول عند الله هو الذى يشهد بعلم وصدق ، فخبر بالحق ، مستندا إلى علمه به ، كما قال تعالى : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقاً من غير علمه به ، وقد يعلمه ولايخبر به ، فالشاهد المقبول عند الله هو الذى يخبر به عن علم ، فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأًً مخالفة لحكم الله ورسوله ، ولايفتي غيره بالحق ، كانت هذه الأمة العدل قد أطبقت على خلاف الحق ، بل انقسموا قسمين : قسما افتى بالباطل ، وقسماً سكت 0

الوجه العاشر :

قوله تبارك وتعالى : ( وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وماجعل عليكم فى الدين من حرج مله ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداًعليكم وتكونوا شهداء على الناس )
الآية ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه اجتباهم ، والأجتباء كالاصطفاء ، وهو افتعال من جبى الشيء يجبيه إذا ضمه إليه ، فهم الذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصته ، ولهذا أمرهم سبحانه ان يجاهدوا فيه حق جهاده فيبذلوا له انفسهم ، ويفردوه بالمحبة والعبودية ، ويختاروه وحده إلها معبوداً محبوبا على كل ماسواه كما اختارهم على من سواهم ، ثم أخبر سبحانه أنه يسر عليهم دينه غايه التيسير ، ولم يجعل عليهم من حرج ألبتة ، لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم ، ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء ابيهم إبراهيم ، وهى إفراده سبحانه وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والتوكل والإنابه والتفويض والاستسلام فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لابغيره ، ثم اخبر سبحانه انه نوه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم ، وسماهم عباده المسلمين قبل ان يظهرهم ، ثم نوه بهم ، وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناء بهم ، ورفعة لشأنهم ، وأعلاء لقدرهم ، ثم أخبر سبحانه انه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس 0 فيكون مشهودا لهم بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، شاهدين على الأمم الجليلين ، ولهاتين الحكمتين العظيمتين 0
والمقصود : أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده سبحانه فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب فى مسألة ، فيفتي بعضهم بالخطأً ، ولايفتي غيره بالصواب ، ويظفر به من بعدهم ، والله المستعان 0

الوجه الحادى عشر :

قوله تبارك وتعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ) أخبر سبحانه عن المعتصمين به أنهم قد هدوا إلى الحق ، والصحابة معتصمون بالله ، لقوله تعالى : ( واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) ومعلوم كمال تولى الله سبحانه لهم ونصره إياهم أتم نصر وهذا يدل على انهم اعتصموا به أتم اعتصام 0

الوجه الثانى عشر :

قوله تعالى عن اصحاب موسى : (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )،فأخبر سبحانه أنه جعل منهم أئمة يأتم بهم من بعدهم ، لصبرهم ويقينهم ، إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة فى الدين ، فإن الداعى إلى الله لايتم له أمره إلا بيقينه للحق الذى يدعو إليه وبصيرته به ، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة ، وكف النفس عما يوهن عزمه ، فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره سبحانه ، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى ، فهم أولى بمنصب هذه الإمامة 0

الوجه الثالث عشر :

قوله تبارك وتعالى ، ( واللذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين إماما ) وإمام بمعنى قدوة ، وهو يصلح للواحد والجمع ، كالأمة والأسوة ، وقد قيل : هو جمع آمم كصاحب وصحاب وراجل ورجال وتاجر وتجار ، وقيل : مصدر كقتال وضراب ، أى ذوى إمام ، والصواب الوجه الأول ، فكل من كان من المتقين وجب عليه أن يأتم بهم ، والتقوى واجبة فالإئتمام بهم واجب 0

الوجه الرابع عشر :

ماثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الصحاح أنه قال : " خير القرون القرن الذى بعثت فيه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " 0 فأخبر صلى الله وسلم ان خير القرون قرنه مطلقاً ، وذلك يقتضي تقديمهم فى كل باب من ابواب الخير ، وإلا لكانوا خيراً من بعض الوجوه ، فلا يكونون خير القرون مطلقا ، ثم هذا يتعدد فى مسائل عدة ، لان من يقول ليس بحجة ، يجوز عنده ان يكون من بعدهم اصاب فى كل مسألة قال فيها الصحابى قولاً ، ولم يخالفه صحابى آخر ، وهذا يأتى فى مسائل كثيرة تفوق العد والإحصاء 0

الوجه الخامس عشر :

ماروى مسلم فى صحيحه من حديث أبى موسى ، قال : صليت المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء ، فجلسنا ، فخرج علينا ،/ فقال " مازلتم ههنا " ؟ فقلنا: يارسول الله صلينا معك المغرب ، ثم جلسنا حتى نصلى معك العشاء ، قال " احسنتم وأصبتم " ورفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيراً مايرفع رأسه إلى السماء فقال : " النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ماتوعد ، وأنا امنة لأصحابى ، فإذا ذهبت أتى أصحابى مايوعدون وأصحابى أمنة لأمتى ، فإذا ذهب أصحابى أتى أمتى مايوعدون " ووجه الاستدلال بالحديث انه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى اصحابه ، ومعلوم ان هذا يعطى من وجوب الاهتداء بهم ماهو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، ونظير اهتداء أهل الارض بالنجوم 0
وأيضاً فإنه جعل بقاءهم بين الأمة امنة لهم وحرزاً من الشر وأسبابه 0

الوجه السادس عشر :

مارواه أبو عبد الله ابن بطة من حديث الحسن عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل أصحابى فى أمتى كمثل الملح فى الطعام ، لايصلح الطعام إلا بالملح " قال الحسن : فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح 0

وروى ابن بطة أيضاً بإسنادين إلى عبد الرزاق ، وأخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل أصحابى فى الناس كمثل الملح فى الطعام " ثم يقول الحسن : هيهات ! ذهب ملح القوم 0
وقال الإمام احمد : حدثنا حسن بن علي الجعفي عن أبي موسى – يعني إسرائيل – عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل اصحابى كمثل الملح فى الطعام " قال يقول الحسن : هل يطيب الطعام إلا بالملح ؟ ويقول الحسن : فكيف بقوم ذهب ملحهم ؟ 0
ووجه الاستدلال أنه شبه أصحابه فى صلاح دين الأمة بهم بالملح الذى صلاح الطعام به ، فلو جاز أن يفتوا بالخطأ ، ويظفر بالصواب من بعدهم ، لكان من بعدهم ملحاً لهم 0
يوضحه : أن الملح كما أنه صلاح الطعام فالصواب به صلاح الأنام ، فلو أخطأوا لاحتاج ذلك إلى ملح يصلحه0

حامل الراية
12-27-2009, 07:18 PM
الوجه السابع عشر :

ماروى البخارى عن أبى سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتسبوا أصحابى ، فلوأن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وفى لفظ " فوالذى نفسى بيده " وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولاقرانه من مسلمة الفتح والحديبية ، فإذا كان مد أحد أصحابه ونصفيه أفضل عند الله من مثل أحد ذهباً من مثل خالد وأضرابه من الصحابة ، فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصواب ، ويظفر به من بعدهم 0

الوجه الثامن عشر :

كماروى الحميدى ، حدثنا محمد بن طلحة ، حدثنى عبد الرحمن ابن سالم بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن ابيه عن جده ، أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال: " إن الله اختارنى ، واختار لى أصحاباً ، فجعل لى منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً " الحديث ، ومن المحال أن يحرم الله الصواب من اختارهم لرسوله ، ويعطيه من بعدهم 0

الوجه التاسع عشر :

مارواه أبو داود الطيالسي ، حدثنا المسعودى عن عاصم عن أبى وائل عن ابن مسعود ، قال إن الله نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فبعثه برسالته ، ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب اصحابه خير قلوب العباد ، فاختارهم لصحبة نبيه ونصرة دينه ، فمارآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، ومآراه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح 0
ومن المحال أن يخطيء الحق خير قلوب العباد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظفر به من بعدهم 0
وأيضا فإن ماأفتى به أحدهم ، وسكت عنه الباقون ، فإما أن يروه حسنا أو قبيحاً ، فإن رأوه حسناً فهو حسن عند الله ، وإن رأوه قبيحاً ولم ينكروه لم تكن قلوبهم من خير قلوب العباد ، وكان من أنكره بعدهم خيراً منهم وأعلم ،وهذا من أبين المحال0

الوجه العشرون :

مارواه أحمد وغيره عن ابن مسعود أنه قال : من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، قوم اختارهم الله لصحبه نبيه ، وإقامه دينه فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوا آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

الوجه الحادى والعشرون :

مارواه الطبرانى وأبو نعيم وغيرهما ، عن حذيفه بن اليمان ، أنه قال : يامعشر القراء ، خذوا طريق من كان قبلكم ، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالاً بعيداً0

الوجه الثانى والعشرون :

ماقاله جندب بن عبد الله لفرقة دخلت عليه من الخوارج ، فقالوا: ندعوك إلى كتاب الله ، فقال : أنتم ؟ قالوا : نحن ، فقال : ياأخابث خلق الله ، فى اتباعنا تختارون الضلالة ، ام فى غير سنتنا تلتمسون الهدى ؟ أخرجوا عني .

الوجه الثالث والعشرون :

مارواه الترمذى من حديث العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب فقال قائل : يارسول الله كانها موعظة مودع ، فلماذا تعهد إلينا ؟ فقال : " عليكم بالسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد حبشى " الحديث ، وهذا حديث حسن ، إسناده لابأس به ، فقرن سنة الخلفاء بسنته ، وأمر باتباعها ، وبالغ فى الأمر بها ، وهذا يتناول ما أفتوا به ، وسنوه للأمة ، وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شىء ، وإلا كان ذلك سنته ، ويتناول ماأفتى به جميعهم ، أو أكثرهم ، أو بعضهم ، لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون ، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء فى آن واحد فعلم أن ماسنه كل واحد منهم فى وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين 0

الوجه الرابع والعشرون :

مارواه الترمذى من حديث الثورى ، عن عبد الملك بن عمير عن هلال مولى ربعى بن حراش ، عن ربعي، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ، واهتدوا بهدى عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد "
قال الترمذى " هذا حديث حسن 0

الوجه الخامس والعشرون :

مارواه مسلم فى صحيحه عن أبى قتاده، ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ” إن يطع القوم ابا بكر وعمر يرشدوا " وهو فى حديث الميضأه الطويل .

الوجه السادس والعشرون:

ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابى بكر وعمر فى شأن تأمير القعقاع والأقرع: " لو اتفقتما على شيء لم أخالفكما "

الوجه السابع والعشرون:

ان النبى صلى الله عليه وسلم نظر الى ابى بكر وعمر فقال "هذان السمع والبصر ،او هما من الدين بمنزلة السمع والبصر.

الوجه الثامن والعشرون :

ما رواه ابو داودعن ابى ذر ، قال :مرّ فتى على عمر ،فقال عمر : نعم الفتىّ، فتبعه ابو ذر ،فقال :يا فتى استغفر لى ،فقال:يا ابا ذر،أستغفر لك وانت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال استغفر لى ،قال :لا ،او تخبرنى ،قال :إنك مررت على عمر ،فقال :نعم الفتى ، وانى سمعت رسول الله عليه وسلم يقول (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).

الوجه التاسع والعشرون :

ما رواه مسلم عن عائشه ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"قد كان فيمن خلا من الامم اناس محدثون ،فإن يكن فى امتى احد منهم فهو عمر " وهو فى المسند والترمذى من حديث ابى هريره ، والمحدث هو المكلم الذى يلقى الله فى روعة الصواب ،يحدثه به الملك عن الله.

الوجه الثلاثون :

ما رواه الترمذى عن عقبه بن عامر مرفوعاً : "لو كان بعدى نبى لكان عمر " وفى لفظ :لو لم ابعث فيكم لبعث فيكم عمر".
قال الترمذى : حديث حسن.

الوجه الحادي والثلاثون :

ماروى ابن أبى خالد عن الشعبى أن علياً رضى الله عنه قال : ماكنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر 0 ورواه عمرو بن ميمون عن زر عن على 0

الوجه الثانى والثلاثون :

مارواه واصل الأحدب عن أبى وائل عن ابن مسعود ، قال : مارأيت عمر إلا وكأن ملكاً بين عينيه يسدده 0

الوجه الثالث والثلاثون :

مارواه الأعمش عن شقيق ، قال : قال عبد الله : والله لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر ، فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : قال عبد الله : والله إنى لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم 0

الوجه الرابع والثلاثون:

ما رواه ابن عينيه عن عبد الله بن ابى يزيد، قال :كان ابن عباس اذا سئل عن شيء فكان فى القرآن أوالسنه قال به وإلا قال بما قال به ابو بكر وعمر، فإن لم يكن قال برأيه.

الوجه الخامس والثلاثون :

مارواه منصور عن زيد بن وهب عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رضيت لأمتى مارضى لها ابن أم عبد " كذا رواه يحيى بن يعلى المحاربى عن زائدة عن منصور ، والصواب مارواه إسرائيل وسفيان عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ثم ذكر من حديث عمرو بن حريث نحوه0

الوجه السادس والثلاثون :

ما رواه ابو اسحاق عن حارثه بن مضرب ،قال : كتب عمر إلى اهل الكوفه:قد بعثت اليكم عمار بن ياسر اميراً،وابن مسعود معلما ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من اهل بدر،فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما ،وقد اثرتكم بعبد الله على نفسى.

الوجه السابع والثلاثون :

ما قاله عباده بن الصامت وغيره :بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان نقول الحق حيث كنا ، ولا نخاف فى الله لومة لأئم.

الوجه الثامن والثلاثون :

ما ثبت فى الصحيح من حديث ابى سعيد الخدرى ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى المنبر ، فقال: "إن عبداً خيره الله بين الدنيا وما عنده فاختار ما عنده..." الخ.

الوجه التاسع والثلاثون :

مارواه زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فأتاهم عمر ، فقال ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبابكر ان يؤم الناس ؟ قالوا بلى ، قال : فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر 0

الوجه الأربعون :

ماثبت فى الصحيح عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينما انا نائم إذ اتيت بقدح لبن ، فقيل لى : اشرب ، فشربت منه حتى إنى لأرى الري يجرى فى أظافرى ، ثم أعطيت فضلى عمر " قالوا : فما أولت ذلك ؟ قال : " العلم "

حامل الراية
12-27-2009, 07:19 PM
الوجه الحادى والاربعون :

ماثبت فى الصحيح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم فقهه فى الدين " 0

الوجه الثانى والأربعون :

أن صورة المسألة ماإذا لم يكن فى الواقعة حديث ، ولا اختلاف بين الصحابة ، وإنما قال بعضهم فيها قولا ، ولم يعلم أنه اشتهر فى الباقين ، ولا أنهم خالفوه ، فنقول : من تامل المسائل الفقهية ، وتصرف فى مداركها وارتوى من مواردها ، علم قطعا ان كثيرا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأى ، بحيث لايوثق فيها بظاهر مراد أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجه يقف المجتهد فى أكثر المواضع، لاسيما إذا اختلف الفقهاء ، فإن عقولهم من أكمل العقول ، فإذا وجد قول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم سادات الأمة ، وأعلم الناس ، وقد شاهدوا التنزيل ، وعرفوا التأويل ، كان الظن والحالة هذه بأن الصواب فى جهته من أقوى الظنون ، وإذا كان المطلوب فى الحادثة انما هو ظن راجح ، فلا شك ان الظن الذى يحصل لنا به أرجح من كثير من الظنون 0

الوجه الثالث والأربعون :

أن الصحابى إذا قال قولاً فله مدارك ينفرد بها عنا ، ومدارك نشاركة فيها ، فأما
مايخص به فيجوز أن يكون سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم شفاهاً أو من
صحابى آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاهاً أو من العلم عنا أكثر من ان يحاط به ، فلم يرو كل منهم كل ماسمع ، أين ماسمعه الصديق والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة رضى الله عنهم إلى مارواه ؟ فلم يرو عنه صديق الأمة مائة حديث ، وهو لم يغب عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من مشاهده ،بل صحبه من حين بعث ، بل قبل البعث إلى ان توفى 0
فقول القائل : لو كان عند الصحابى فى هذه الواقعة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى شىء من مشاهده بل صحبه من حين بعث ،بل قبل البعث إلى أن توفى 0
فقول القائل : لو كان عند الصحابى فى هذه الواقعة شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم لذكرة قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم ، فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظمونها ، ويقللونها خوف الزياده والنقص ، ويحدثون بالشيء سمعوه من النبى صلى الله عليه وسلم مراراً ، ولايصرحون بالسماع 0
فتلك الفتوى لاتخرج عن سته أوجه :-
احداها : ان يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم 0
الثاني : أن يكون سمعها ممن سمعها منه 0
الثالث : لأن يكون فهمها من كتاب الله فهماً خفى علينا 0
الرابع : أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي 0
الخامس : أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذى انفرد به عنا ، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب ، او لمجموع أمور فهموها على طول الزمان ، من رؤية النبى صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته ، وعلى هذه التقارير يكون حجة يجب اتباعها 0
السادس : أن يكون فهم مالم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ فى فهمه ، ومعلوم أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين ، وليس المطلوب إلا الظن الغالب 0
هذا فيما انفردوا به عنا ، أما المدارك التى شاركناهم فيها من دلالة الالفاظ والأقيسة ، فلا ريب أنهم كانو أبر قلوباً ، واعمق علماً ، واقل تكلفا ، وأقرب إلى أن يوفقوا لما لم نوفق له نحن، لما خصهم الله به من توقد الأذهان ، وفصاحة اللسان ، وسهولة الأخذ ، وحسن الإدراك ، وقلة المعارض أو عدمه ، وحسن القصد وتقوى الرب 0
وأما المتأخرون فقلوبهم متفرقة ، فالعربية وتوابعها قد أخدت من قوى أذهانهم شعبة والأصول شعبة ، وعلم الإسناد وأحوال الرواة شعبة وفكرهم فى كلام شيوخهم شعبة ، إلى غير ذلك من الامور ، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية – إن كان لهم همم تسافرإليها – وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير ، وهذا شأن من استفرغ قواه فى الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع 0

الوجه الرابع والاربعون :

أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لاتزال ظائفة من أمتى ظاهرين على الحق وقال على رضى الله عنه : لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته 0 فلو جاز أن يخطيء الصحابى فى حكم ولايكون فى العصر ناطق بالصواب ، لم يكن في الأمة قائم بالحق فى ذلك الحكم 0

الوجه الخامس والأربعون :

إذا قالوا او بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتدئاً لذلك القول ومبتدعاً له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،وإياكم ومحدثات الامور فإن كل بدعه ضلاله".
وقال ابن مسعود: اتبعوا ، ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم ، فإن كل محدثه بدعه وكل بدعه ضلاله. وقال ايضا إنا نفتدى ولا نبتدى،ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالاثر،وقال أيضاً : انا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال،أمور تكون من كبر ائكم، فأيما مُريّة او رجيل ادرك ذلك الزمان،فالسمت الاول ، فالسمت الاول، فأنا اليوم على السنة.
وقال عمر بن عبد العزيز كلاماً كان مالك بن انس وغيره من الأئمه يستحسنونه ويحدثون به دائما، قال:سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً الأخذ بهاتصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته وقوة على دينه، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر فى رأى من خالفها ،فمن اقتدى بمن سنوا اهتدى،ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.

الوجه السادس والأربعون:

أنه لم يزل اهل العلم فى كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله ولا ينكره منكر ، وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ، ويمتنع إطباق هؤلاء كلهم على الاحتجاج بما لم يشرع الله ورسوله الإحتجاج به.
فإن قيل :فما تقولون فى اقوالهم فى تفسير القران هل هى حجه ؟
قيل :لا ريب أن أقوالهم فى التفسير أصوب من أقوال من بعدهم.
فإن قيل : فنحن نجد لبعضهم أقوالاً فى التفسير تخالف الأحاديث المرفوعه الصحاح
كما فسر على قوله تعالى :(والذين يتوفون منكم) الآيه ،أنها فى الحامل والحائل، والسنه الصحيحه بخلافه، وفسر ابن مسعود ( وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) بأن الصفه لـ (نسائكم) الأولى والثانية، فلا تحرم أم المرأة حتى يدخل بها، والصحيح خلاف قوله، والصفه راجعة إلى قوله : (وربائبكم) الآيه،وهو قول جمهور الصحابة ، وكما فسر ابن عباس
(السجل ) بأنه كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم يسمى السجل ، وإ نما السجل الصحيفة
المكتوبة ، واللام مثلها فى قوله (وتله للجبين) وفى قوله: فخر صريعا لليدين وللفم
أي يطوى السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب ؟
قيل: الكلام فى تفسيره كالكلام فى فتواه وصورتها، الإان يكون فى المسالة نص يخالفه ، ويقول فى الأية قولاً لايخالفه فيه احد من الصحابة ، علم اشتهاره او لم يعلم، وما ذكر من هذه الأمثله فقد فُقد فيه الأمران، وهو نظير ما روى عن بعضهم من الفتاوى التى تخالف النص ،وهم مختلفون فيها.
فإن قيل : لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ ،ولكان معصوماً وإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره أخرى فمن أين لكم أن هذه من قسم الصواب ؟ 0

قيل : الأدلة المتقدمة تدل على أنحصار الصواب فى قوله فى الصورة المفروضة الواقعة ، وهو أن من المقنع أن يقولوا فى كتاب الله عز وجل الخطأ المحض، ويمسك الباقون عن الصواب ، فإن قولهم لم يكن بمجرده حجه، بل إنما إنضاف اليه من القرائن .
فإن قيل: فبعض ما ذكرتم يقتضى ان التابعى اذا قال قولاًن ولم يخالفه صحابى ولا تابعي ان يكون حجه ؟
فالجواب: ان التابعين انتشروا انتشارا لا ينضبط، ولا يكاد يغلب على الظن عدم المخالف0
وقد اختلف السلسك فمنهم من يقول: يجب اتباع التابعى فيما افتي به كذلك، ومن تامل كتب الائمه ومن بعدهم ، وجدها مشحونه بالاحتجاج بتفسير التابعى 0
وقال ابن القيم أيضاً: اذا سئل عن مسألة فيها نص او إ جماع،فعليه ان يبلغه بحسب الإمكان فمن علم علما فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار فإن لم يأمن غائلة الفتوى، وخاف ان يترتب عليها شيء اكبرمن الامساك عنها امسك ترجيحاً لدفع اعلى المفسدتين،وقد أمسك النبى صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبه لاجل حدثان عهد قريش بالإسلام،وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه 0
وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب،كما قال ابن عباس لرجل سأله عن تفسير آيه: وما يؤمنك انى لو اخبرتك بتفسيرها كفرت به ؟ أي جحدته وأنكرته فكفرت به ، ولم يرد أنك تكفر بالله تعالى ورسوله 0
ويجوز ان يعدل عن جواب المستفتي عما سأل عنه الى ما هو أنفع له ، ولا سيما اذا تضمن جواب ما سأل عنه، قال تعالى: (ويسالونك ماذا ينفقون قل : ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) فسالوه عن المنفق، فاجابهم بذكر المصرف، اذ هو أهم مما سألوا عنه ،ونبههم عليه بالسياق، مع ذكره لهم فى موضع آخر وهو قوله تعالى (قل العفو) وهو ما سهل عليهم إنفاقه ، ولم يضرهم إخراجه،وقد ظن بعضهم أن من ذلك قوله (يسألونك عن الاهلة) فسالوه عن سبب ظهور الهلال خفياً ، ثم لايزال يتزايد فيه النور على التدريج ، حتى يكمل ، ثم ياخذ فى النقصان ،فاجابهم عن حكمه ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم فى احوالهم ومعاشهم، ومواقيت اكبر عباداتهم ، وهو الحج ،فان كانوا قد سألوا عن السبب ،فقد أجيبوا بما هو انفع لهم مما سألوا عنه ، وإن كانوا إ نما سالوا عن حكمة ذلك، فقد أجيبوا عن عين ما سالوا عنه،ولفظ سؤالهم محتمل، فإنهم قالوا:ما بال الهلال يبدوا دقيقاً، ثم ياخذ فى الزياده حتى يتم،ثم ياخذ فى النقص ؟
ومن فقه المفتي اذا سأله عن شيء فمنعه ان يدله على ما هو عوض منه،ورأيت شيخنا يتحرى ذلك فى فتاويه،وقد منع النبى صلى الله عليه وسلم بلالاً ان يشترى صاعاً من التمر الجيد بصاعين من الرديء، ثم دله على الطريق المباح 0
ولما سأله عبد المطلب بن ربيعه بن الحارث، والفضل بن عباسان يستعملهما فى الزكاة ، ليصيبا ما يتزوجان به،منعهما من ذلك ، وامر محمية بن جزء- وكان على الخمس- ان يعطيهما منه ، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى،فانه يساله عبده الحاجه،فيمنعه اياها ، ويعطيه ما هو اصلح له،وهذا غاية الكرم والحكمة 0
وينبغى ان ينبهه على ما يذهب اليه الوهم من خلاف الصواب،مثال هذا:قوله تعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم)0 يانساء النبى لستن كأحد من النساء ) ، ومنه (والذين آمنوا وأ تبعناهم ذرياتهم بإيمان)، لما اخبر سبحانه بإلحاق الذرية- ولا عمل لهم –
بآبا ئهم فى الدرجه،فربما توهم متوهم أنه يحط الاباء الى درجة الذرية ، فرفع هذا التوهم بقوله : (وما ألتناهم من عملهم من شيء) اى ما نقصنا الآباء من اجور أعمالهم، بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم،ولم نحطهم من درجتهم،ولما كان الوهم قد يذهب إلى انه يفعل ذلك بأهل النار،قطع هذا تبارك وتعالى بقوله( كل امريء بما كسب رهين )
ومن هذا قوله تبارك وتعالى : (إنما أمرت ان اعبد رب هذة البلدة الذى حرمها وله كل شيء) فلما كان ذكر ربوبيته البلد الحرام قد يوهم الاختصاص ، عقبه بقوله (وله كل شيء) ومن ذلك قوله تبارك وتعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا) فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما اوهم ذلك تعجل الكفاية وقت التوكل ، فعقبه بقوله (قد جعل الله لكل شيء قدرا) اى وقتا لا يتعداه، اى فهو يسوقه الى وقته الذىقدره له،فلا يستعجل المتوكل فيقول: قد توكلت ودعوت فلم أر شيئاً فالله بالغ امره فى وقته الذى قدره، وهذا كثيراً جداً فى القران والسنه ، وهو باب لطيف من ابواب فهم النصوص.
وينبغى ان يذكر دليل الحكم ومأخذه ، ومن تامل فتاوي النبى صلى الله عليه وسلم الذى قوله حجه بنفسه، رآها مشتمله على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره،كما سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال:" اينقض الرطب اذاجف ؟" قالوا: نعم، فزجر عنه ومن المعلوم انه كان يعلم نقصانه بالجفاف ولكن نبههم على علة التحريم 0
ومن هذا قوله لعمر وقد ساله عن قبلة امرأته وهو صائم فقال " أرأيت لو تمضمضت ، ثم مججته " فنبه على ان مقدمة المحظور لا يلزم ان تكون محظورة 0
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:لا تنكح امرأه على عمتها ولا على خالتها،فانكم اذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ".
ومن ذلك قوله لابى النعمان بن بشير: أيسرك ان يكون لك فى البر سواء ؟ قال نعم قال:" فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم " 0
وقوله: اما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة فنبه على علة المنع بكون أحدهما عظماً ، وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام 0

المشتاقة للجنة
06-22-2010, 08:29 PM
جزاكم الرحمن خير الجزاء في ميزان حسناتكم