المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلقة الثانية : سورة البقرة - سلسلة الاعداد القرآنى لشهر رمضان


khaledbelal
06-17-2011, 05:39 PM
http://www.khaledbelal.net/up/uploads/khaledbelal.net_13029633741.gif
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الحلقة الثانية : سورة البقرة - سلسلة الاعداد القرآنى لرمضان

سورة البقرة هى أطول سورة على الإطلاق فى كتاب الله العزيز و هذا الطول يسبب للبعض عدم وضوح فى رؤية موضوع السورة و يكون التأثر بها جزئيا عند الكثيرين دون فهم الأهداف المجملة و الوحدة الموضوعية لهذه السورة العظيمة

و قد كان هذا سببا فى تطاول بعض المستشرقين على كتاب الله زعما منهم أن السورة فاقدة للترابط وأن هذا ليس من البلاغة عياذا بالله . و لبئس ما قالوا فهو لا يدل إلا على الجهل المطبق و النظر القاصر لكتاب الله

فسورة البقرة و لله الحمد و المنة من أوضح السور بفضل الله موضوعا و أهدافا لكن هذا لا يظهر إلا لمن بسط نظره و بدأ يحلل التقسيم البديع لموضوعات هذه السورة ثم يربطه بميعاد و ظروف نزول هذه السورة الكريمة

إن سورة البقرة نزلت فى أول العهد المدنى بعد هجرة النبى أى فى مطلع تأسيس أول دولة فى تاريخ المسلمين وسط مجموعة كبيرة من المتغيرات و الإختلافات بين عناصر هذا المجتمع الوليد

هذا المجتمع الذى كان يتكون من عناصر شتى بعضها شديد التناقض بل يصل إلى حد التنافر و التعادى أحيانا ما بين مسلمين و مشركين لا يزالون على كفرهم و وثنيتهم و يهود استوطنوا المدينة و تشابكت فيها مصالحهم منذ عشرات السنين كل ذلك جنبا إلى جنب مع الصنف الجديد الذى بدأ لأول مرة فى الظهور فى هذا المجتمع الناشىء

الصنف الذى اختار أن يظهر خلاف ما يبطن حرصا على مصالحه و مقامه فى هذا المجتمع

هذا الصنف الجديد هم المنافقون

و مع هذا الخليط الغير متجانس بل المتنافر المتصارع أحيانا يأتى التحدى الأصعب الذى تمر به أى دولة وليدة و هو رسم الإطار و النسق الذى ستسير عليه هذه الدولة و إن شئت فقل بمصطلحات عصرنا الدستور الذى سيحترمه و يسير عليه أبناء هذه الدولة الجديدة على اختلاف مشاربهم

فى ظل هذه الظروف الصعبة و التحديات المقلقة نزلت هذه السورة لترسم للمسلمين الخط الذى سيسيرون عليه و تضع لهم الأسس التى سيبنون عليها دولتهم لكن بركيزة أساسية لابد لكل مجتمع وليد أن يرسخها فى ضمير أتباعه

هذه الركيزة هنا و الأصل الأكبر الذى ترسخه سورة البقرة هو

الإسلام لله عز وجل

فكما لابد لكل مجتمع أن يسوده قانون يتحاكم إليه أفراده و يرضون به و يرضخون لسيادته _فيما يعرف اليوم بسيادة القانون_ كان لابد للمجتمع المسلم أن يرسخ لديه هذا الأصل فيسلم كله لسيادة القانون لكنه هنا القانون الإلهى أو حكم الله الذى يجب أن يستسلم أفراد المجتمع الوليد لأمره و نهيه طوعا فيما يعرف اصطلاحا بالإسلام لله (و هو الإستسلام طوعا لمراد الله)

سورة البقرة ببساطة تضعنا أمام خيار من ثلاثة .

تُتبين هذه الخيارات من خلال الثلاث قصص الرئيسية التى تطرحها سورة البقرة و التى اختار أبطال كل قصة خيارا منهم

ثم تضع السورة المجتمع المسلم فى جزئها الثانى أمام عدد من الإختبارات تتمثل فى تشريعات رئيسية و أحكام هامة عرضتها السورة و تختم بأصعب هذه الإختبارات ليسأل كل واحد منا نفسه بعدها هل سأجاوز الإختبار و أختار الإختيار الصحيح أم الأخرى عياذا بالله

و لفهم هذ المضمون المجمل نعرض بإيجاز تحليلا لعناصر السورة و مراحلها

فسورة البقرة باختصار شديد عبارة عن:
· مقدمة تصنيفية ذكر الله فيها الأصناف التى بيناها كلها و التى يتكون منها المجتمع المدنى (المؤمنون – الكافرون – المنافقون – اليهود) و هى من الآية الأولى إلى الآية 29
· الجزء القصصى و الذى احتوى ثلاث قصص رئيسية كما بينا و هى

1) قصة سيدنا آدم عليه السلام

2) قصة بنى إسرائيل بطولها

3) قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
· جزء الأحكام و التكاليف الشرعية
· خاتمة و ابتلاء أخير

و إذا نظرنا للقصص الثلاث لوجدنا أنها تشاركت فى وقوع التكليف عليها ثم تباينت ردود الأفعال تجاه هذا التكليف

فنجد فى قصة آدم الطاعة التى شابتها معصية لأمر الله بسبب زلة من الشيطان ثم مسارعة فى العودة و التوبة

" فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "

و نجد فى قصة بنى إسرائيل العصيان المطلق و التمرد المستمر و ما أكثر الشواهد من السورة على ذلك
· وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
· ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ {} فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
· أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
· } وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
· فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ
· وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ

كل هذه الآيات و غيرها تبين لدى مدى العصيان و التمرد الذى وصلوا إليه و الذى تمثل جليا فى قصة البقرة و التى سميت السورة بإسمها و التى هى نموذج حى للتركيبة المتمردة الرافضة للاستسلام و الانقياد لشرع الله و يتضح هذا فى أول كلمة ردوا بها على نبيهم الذى رأوا الآيات مه حين أخبرهم أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة فماذا كان الرد من هؤلاء المتمردين؟

" قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ "

ثم يستمر الجدال و التعنت و التشديد و تعقيد أمر يسير وواضح فتارة يسألون عن ماهية البقرة و تارة عن لونها و تارة عن صفاتها و كل هذا التعنت لا لشىء إلا لما بينه الله من حقيقة فى قوله " فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ"

فحقيقتهم أنهم يرفضون حكم الله عليهم و شعارهم الذى أعلنوه – سمعنا و عصينا- و هو شعار التزموا به و استمسكوا بأهدابه حتى الرمق الأخير فما تركوا أمرا من أوامر الله إلا واجهوه بهذا العصيان المقيت حتى ما كان فى مصلحتهم (

"وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {2/58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ"

فالمغفرة لو قالوا الكلمة التى علمهم إياها الله - حطة – فقالوا حنطة و دخلوا القرية يزحفون على إستاههم"مؤخراتهم" أعزكم الله بدلا من الدخول سجدا كما أمروا فما أقبح تمردهم و ما أبعدهم عن الإسلام لله عز و جل



§ أما فى قصة إبراهيم عليه السلام فنجد النقيض تماما و نلمس تمام الإسلام و الخضوع المطلق لأمر الله مهما كان صعبا على النفس

و تأمل حين وصف الله حاله أمام الاختبارات المتتالية من أوامر و نواهى

"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ "

فلقد أتم إبراهيم عليه السلام كل إجابة لكل اختبار و على أكمل وجه حتى ما كان منها مستحيلا على غيره كذبح ولده و تركه مع امه قبل ذلك بسنين فى العراء لا لشىء إلا لأن الله أمره بهذا

إن لم يكن هذا هو تمام الإسلام لله فما إذا

"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "

و بعد الإسلام ما كلًّ و ما ملًّ و ما ذل فتارة يكسر أصنام قومه و تارة يصبر على إلقاء فى النار و تارة يهاجر من بلد إلا بلد و يجوب مشارق الأرض و مغاربها قابضا على دينه

لسان حاله ثابت لا يتبدل أمام كل أمر :سمعا و طاعة لمولاى

هاجر فى الله. سمعا و طاعة لمولاى

اترك ولدك و امرأتك فى الصحراء .سمعا و طاعة لمولاى

اذبح ولدك .سمعا وطاعة لمولاى

إبن البيت . سمعا و طاعة لمولاى

أذن فى الناس بالحج لتسمع الدنيا (و بدون و سائل اتصال أو مكبرات ) و الإجابة واحدة لا تتبدل سمعا و طاعة لمولاى

حتى وهو ابن الثمانين عاما يأمره الله بالختان فيختتن بالقدوم و دون أدنى مناقشة

و يوصى أبناءه بالدوام على هذا الحال من الإستسلام الطوعى لرب العالمين

"وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "

و يوصى بها أبناؤه أبناءهم و يتكرر الأمر بالإسلام لله

" أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"

" ثم توجه الوصية للنبى و أمته وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {} فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {} صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ"

بعد هذه النماذج الثلاث يأتى ما يزيد عن جزء كامل من الاختبارات الموجهة للأمة الوليدة و القوانين و التشريعات و الأوامر و النواهى التى تسير دينهم و دنياهم

فتأتى أحكام العبادات (كالصلاة و القبلة و الصيام و الحج و الإنفاق )و تأتى أحكام المعاملات الداخلية ( كالزواج و الطلاق و الرضاع و الوصية و الربا و المداينة و الرهن ) و المعاملات الخارجية ( كأحكام الجهاد و الأشهر الحرم ) و بعض القوانين و الحدود ( كالقصاص و تحريم الخمر و الميسر و طائفة من أحكام الحلال و الحرام)

هذه الأحكام بخلاف أنها دستور و تشريع سيقوم عليه المجتمع الجديد بالمدينة على أساس واضح من العدل فإنها ابتلاء للأمة فى قضية الإسلام لله

و كأن السورة توجه سؤالا للجماعة المسلمة بعد أن عرض عليها نماذج من ابتلوا من قبلها و استخلفوا فى الأرض ابتداءا بآدم و انتهاءا ببنى إسرائيل

بعدما رأيتم هذه النماذج الثلاث أيهم تختارون ؟

السؤال الذى يجب على كل منا أن يسأله لنفسه و هو يعرض حاله على أحكام سورة البقرة و غيرها من أحكام الشرع الحنيف

هل أنا مسلم مستسلم لأمر الله كإبراهيم لاأحيد قيد أنملة

أو كآدم أزل مرة و أعصى لكن أسارع بالتوبة و لا أكابر

أم النموذج المخيف الذى فصله ربنا تفصيلا طويلا لبيان خطورته. و للأسف لأنه النموذج الذى سيقع فيه الكثيرون ممن يرفضون حكم الله و يتمردون عليه و يسلكون سبيل المغضوب عليهم و لسان حالهم كشياطينهم (سمعنا و عصينا)

ثم توجه السورة رسالة أخيرة باختبار شديد و ابتلاء صعب حين أنزل الله قوله "لله مافي السماوات والأرض وإن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير". حاول الصحابة العمل بها و تطبيقها. ومعنى الأية أن كل خواطر الإنسان الخفية والأعمال الظاهرة يحاسب عليها. فمثلاً إذا رأى الإنسان مالاً وخطر له سرقته ولكن لم يسرقه فالله يحاسبه أنه سارق. أو رأى امرأة وخطر في باله الزنى ولم يفعله فهو زان و هذا مقتضى ظاهر الآية و أول ما تبادر إلى أذهان الصحابة.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، ثُمَّ قَالُوا : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ، بَلْ قُولُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، قَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا قَرَأَهَا الْقَوْمُ وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أثْرِهَا : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قَالَ : نَعَمْ

رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ : نَعَمْ

رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قَالَ : نَعَمْ

وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، قَالَ : نَعَمْ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ و فى رواية قال قد فعلت

هذا الأثر يلخص موضوع السورة بإيجاز فهاهنا أمر قد يتنافى مع هواك و يطرأ إلى فهم المرء و يسارع إلى عقله أنه يستحيل تنفيذه أو أنه غير مناسب لكن مع ذلك المطلوب منه أن يسلم ...يستسلم ..يسمع و يطيع

و لا شك أنه لضعفه قد يزل و يخطىء و هذه طبيعته لذلك يشفع سمعنا و أطعنا ب غفرانك ربنا و إليك المصير فأنا أقبل الأمر يا رب و لا أتمرد أو أعصى لكننى أطلب المغفرة لتقصير وارد و غير مقصود

هذا هو المبدأ الذى ينبغى أن يكون لدى المسلم القناعة الكاملة به و كما قال العلماء المسلم لا يقول لم أمرنا و لكن بم أمرنا لينفذ و يسمع و يطيع

و لذلك لما اختار الصحابة الخيار الصحيح نزل التخفيف من الله الرحيم فبين أن الإنسان مكلف بما كسب أو اكتسب و نسخت الآية و زال الابتلاء

فشعار السورة الأوضح و توصيتها الأساسية "سمعنا و أطعنا" أو الإسلام المطلق و الإذعان الكامل لشرع الله و القبول به حتى و إن حدث التقصير أو الزلل فأصل الإنقياد و القبول يزين المؤمن و يجعله أهلا للقب الذى يحمله . مسلم

هذا و ما كان من توفيق فمن الله و ما كان من زلل فمنى و من الشيطان و الله و رسوله منه براء و إلى لقاء فى القريب العاجل إن شاء الله مع سورة آل عمران

[CENTER]و كتبه
الفقير لعفو ربه
محمد على يوسف
فى الثامن من يونيو2011
http://profile.ak.fbcdn.net/hprofile-ak-snc4/195664_100000808192061_862509_n.jpg

الروابط الصوتية للشرح المختصر لسورة البقرة
http://www.way2allah.com/modules.php?name=Khotab&op=Detailes&khid=19919
http://www.way2allah.com/modules.php?name=Khotab&op=Detailes&khid=19920

فهرس السلسلة (http://montada.khaledbelal.net/showthread.php?t=4429)

المشتاقة للجنة
06-17-2011, 09:01 PM
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سبحان ربي العظيم
جزاكم الرحمن خيرا على هذه المنفعة القيمة