عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-27-2009, 07:19 PM
حامل الراية حامل الراية غير متواجد حالياً

عضو فعال

 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 78
افتراضي

الوجه الحادى والاربعون :

ماثبت فى الصحيح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم فقهه فى الدين " 0

الوجه الثانى والأربعون :

أن صورة المسألة ماإذا لم يكن فى الواقعة حديث ، ولا اختلاف بين الصحابة ، وإنما قال بعضهم فيها قولا ، ولم يعلم أنه اشتهر فى الباقين ، ولا أنهم خالفوه ، فنقول : من تامل المسائل الفقهية ، وتصرف فى مداركها وارتوى من مواردها ، علم قطعا ان كثيرا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأى ، بحيث لايوثق فيها بظاهر مراد أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجه يقف المجتهد فى أكثر المواضع، لاسيما إذا اختلف الفقهاء ، فإن عقولهم من أكمل العقول ، فإذا وجد قول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم سادات الأمة ، وأعلم الناس ، وقد شاهدوا التنزيل ، وعرفوا التأويل ، كان الظن والحالة هذه بأن الصواب فى جهته من أقوى الظنون ، وإذا كان المطلوب فى الحادثة انما هو ظن راجح ، فلا شك ان الظن الذى يحصل لنا به أرجح من كثير من الظنون 0

الوجه الثالث والأربعون :

أن الصحابى إذا قال قولاً فله مدارك ينفرد بها عنا ، ومدارك نشاركة فيها ، فأما
مايخص به فيجوز أن يكون سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم شفاهاً أو من
صحابى آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاهاً أو من العلم عنا أكثر من ان يحاط به ، فلم يرو كل منهم كل ماسمع ، أين ماسمعه الصديق والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة رضى الله عنهم إلى مارواه ؟ فلم يرو عنه صديق الأمة مائة حديث ، وهو لم يغب عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من مشاهده ،بل صحبه من حين بعث ، بل قبل البعث إلى ان توفى 0
فقول القائل : لو كان عند الصحابى فى هذه الواقعة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى شىء من مشاهده بل صحبه من حين بعث ،بل قبل البعث إلى أن توفى 0
فقول القائل : لو كان عند الصحابى فى هذه الواقعة شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم لذكرة قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم ، فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظمونها ، ويقللونها خوف الزياده والنقص ، ويحدثون بالشيء سمعوه من النبى صلى الله عليه وسلم مراراً ، ولايصرحون بالسماع 0
فتلك الفتوى لاتخرج عن سته أوجه :-
احداها : ان يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم 0
الثاني : أن يكون سمعها ممن سمعها منه 0
الثالث : لأن يكون فهمها من كتاب الله فهماً خفى علينا 0
الرابع : أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي 0
الخامس : أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذى انفرد به عنا ، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب ، او لمجموع أمور فهموها على طول الزمان ، من رؤية النبى صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته ، وعلى هذه التقارير يكون حجة يجب اتباعها 0
السادس : أن يكون فهم مالم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ فى فهمه ، ومعلوم أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين ، وليس المطلوب إلا الظن الغالب 0
هذا فيما انفردوا به عنا ، أما المدارك التى شاركناهم فيها من دلالة الالفاظ والأقيسة ، فلا ريب أنهم كانو أبر قلوباً ، واعمق علماً ، واقل تكلفا ، وأقرب إلى أن يوفقوا لما لم نوفق له نحن، لما خصهم الله به من توقد الأذهان ، وفصاحة اللسان ، وسهولة الأخذ ، وحسن الإدراك ، وقلة المعارض أو عدمه ، وحسن القصد وتقوى الرب 0
وأما المتأخرون فقلوبهم متفرقة ، فالعربية وتوابعها قد أخدت من قوى أذهانهم شعبة والأصول شعبة ، وعلم الإسناد وأحوال الرواة شعبة وفكرهم فى كلام شيوخهم شعبة ، إلى غير ذلك من الامور ، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية – إن كان لهم همم تسافرإليها – وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير ، وهذا شأن من استفرغ قواه فى الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع 0

الوجه الرابع والاربعون :

أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لاتزال ظائفة من أمتى ظاهرين على الحق وقال على رضى الله عنه : لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته 0 فلو جاز أن يخطيء الصحابى فى حكم ولايكون فى العصر ناطق بالصواب ، لم يكن في الأمة قائم بالحق فى ذلك الحكم 0

الوجه الخامس والأربعون :

إذا قالوا او بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتدئاً لذلك القول ومبتدعاً له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،وإياكم ومحدثات الامور فإن كل بدعه ضلاله".
وقال ابن مسعود: اتبعوا ، ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم ، فإن كل محدثه بدعه وكل بدعه ضلاله. وقال ايضا إنا نفتدى ولا نبتدى،ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالاثر،وقال أيضاً : انا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال،أمور تكون من كبر ائكم، فأيما مُريّة او رجيل ادرك ذلك الزمان،فالسمت الاول ، فالسمت الاول، فأنا اليوم على السنة.
وقال عمر بن عبد العزيز كلاماً كان مالك بن انس وغيره من الأئمه يستحسنونه ويحدثون به دائما، قال:سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً الأخذ بهاتصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته وقوة على دينه، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر فى رأى من خالفها ،فمن اقتدى بمن سنوا اهتدى،ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.

الوجه السادس والأربعون:

أنه لم يزل اهل العلم فى كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله ولا ينكره منكر ، وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ، ويمتنع إطباق هؤلاء كلهم على الاحتجاج بما لم يشرع الله ورسوله الإحتجاج به.
فإن قيل :فما تقولون فى اقوالهم فى تفسير القران هل هى حجه ؟
قيل :لا ريب أن أقوالهم فى التفسير أصوب من أقوال من بعدهم.
فإن قيل : فنحن نجد لبعضهم أقوالاً فى التفسير تخالف الأحاديث المرفوعه الصحاح
كما فسر على قوله تعالى :(والذين يتوفون منكم) الآيه ،أنها فى الحامل والحائل، والسنه الصحيحه بخلافه، وفسر ابن مسعود ( وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) بأن الصفه لـ (نسائكم) الأولى والثانية، فلا تحرم أم المرأة حتى يدخل بها، والصحيح خلاف قوله، والصفه راجعة إلى قوله : (وربائبكم) الآيه،وهو قول جمهور الصحابة ، وكما فسر ابن عباس
(السجل ) بأنه كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم يسمى السجل ، وإ نما السجل الصحيفة
المكتوبة ، واللام مثلها فى قوله (وتله للجبين) وفى قوله: فخر صريعا لليدين وللفم
أي يطوى السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب ؟
قيل: الكلام فى تفسيره كالكلام فى فتواه وصورتها، الإان يكون فى المسالة نص يخالفه ، ويقول فى الأية قولاً لايخالفه فيه احد من الصحابة ، علم اشتهاره او لم يعلم، وما ذكر من هذه الأمثله فقد فُقد فيه الأمران، وهو نظير ما روى عن بعضهم من الفتاوى التى تخالف النص ،وهم مختلفون فيها.
فإن قيل : لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ ،ولكان معصوماً وإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره أخرى فمن أين لكم أن هذه من قسم الصواب ؟ 0

قيل : الأدلة المتقدمة تدل على أنحصار الصواب فى قوله فى الصورة المفروضة الواقعة ، وهو أن من المقنع أن يقولوا فى كتاب الله عز وجل الخطأ المحض، ويمسك الباقون عن الصواب ، فإن قولهم لم يكن بمجرده حجه، بل إنما إنضاف اليه من القرائن .
فإن قيل: فبعض ما ذكرتم يقتضى ان التابعى اذا قال قولاًن ولم يخالفه صحابى ولا تابعي ان يكون حجه ؟
فالجواب: ان التابعين انتشروا انتشارا لا ينضبط، ولا يكاد يغلب على الظن عدم المخالف0
وقد اختلف السلسك فمنهم من يقول: يجب اتباع التابعى فيما افتي به كذلك، ومن تامل كتب الائمه ومن بعدهم ، وجدها مشحونه بالاحتجاج بتفسير التابعى 0
وقال ابن القيم أيضاً: اذا سئل عن مسألة فيها نص او إ جماع،فعليه ان يبلغه بحسب الإمكان فمن علم علما فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار فإن لم يأمن غائلة الفتوى، وخاف ان يترتب عليها شيء اكبرمن الامساك عنها امسك ترجيحاً لدفع اعلى المفسدتين،وقد أمسك النبى صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبه لاجل حدثان عهد قريش بالإسلام،وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه 0
وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب،كما قال ابن عباس لرجل سأله عن تفسير آيه: وما يؤمنك انى لو اخبرتك بتفسيرها كفرت به ؟ أي جحدته وأنكرته فكفرت به ، ولم يرد أنك تكفر بالله تعالى ورسوله 0
ويجوز ان يعدل عن جواب المستفتي عما سأل عنه الى ما هو أنفع له ، ولا سيما اذا تضمن جواب ما سأل عنه، قال تعالى: (ويسالونك ماذا ينفقون قل : ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) فسالوه عن المنفق، فاجابهم بذكر المصرف، اذ هو أهم مما سألوا عنه ،ونبههم عليه بالسياق، مع ذكره لهم فى موضع آخر وهو قوله تعالى (قل العفو) وهو ما سهل عليهم إنفاقه ، ولم يضرهم إخراجه،وقد ظن بعضهم أن من ذلك قوله (يسألونك عن الاهلة) فسالوه عن سبب ظهور الهلال خفياً ، ثم لايزال يتزايد فيه النور على التدريج ، حتى يكمل ، ثم ياخذ فى النقصان ،فاجابهم عن حكمه ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم فى احوالهم ومعاشهم، ومواقيت اكبر عباداتهم ، وهو الحج ،فان كانوا قد سألوا عن السبب ،فقد أجيبوا بما هو انفع لهم مما سألوا عنه ، وإن كانوا إ نما سالوا عن حكمة ذلك، فقد أجيبوا عن عين ما سالوا عنه،ولفظ سؤالهم محتمل، فإنهم قالوا:ما بال الهلال يبدوا دقيقاً، ثم ياخذ فى الزياده حتى يتم،ثم ياخذ فى النقص ؟
ومن فقه المفتي اذا سأله عن شيء فمنعه ان يدله على ما هو عوض منه،ورأيت شيخنا يتحرى ذلك فى فتاويه،وقد منع النبى صلى الله عليه وسلم بلالاً ان يشترى صاعاً من التمر الجيد بصاعين من الرديء، ثم دله على الطريق المباح 0
ولما سأله عبد المطلب بن ربيعه بن الحارث، والفضل بن عباسان يستعملهما فى الزكاة ، ليصيبا ما يتزوجان به،منعهما من ذلك ، وامر محمية بن جزء- وكان على الخمس- ان يعطيهما منه ، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى،فانه يساله عبده الحاجه،فيمنعه اياها ، ويعطيه ما هو اصلح له،وهذا غاية الكرم والحكمة 0
وينبغى ان ينبهه على ما يذهب اليه الوهم من خلاف الصواب،مثال هذا:قوله تعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم)0 يانساء النبى لستن كأحد من النساء ) ، ومنه (والذين آمنوا وأ تبعناهم ذرياتهم بإيمان)، لما اخبر سبحانه بإلحاق الذرية- ولا عمل لهم –
بآبا ئهم فى الدرجه،فربما توهم متوهم أنه يحط الاباء الى درجة الذرية ، فرفع هذا التوهم بقوله : (وما ألتناهم من عملهم من شيء) اى ما نقصنا الآباء من اجور أعمالهم، بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم،ولم نحطهم من درجتهم،ولما كان الوهم قد يذهب إلى انه يفعل ذلك بأهل النار،قطع هذا تبارك وتعالى بقوله( كل امريء بما كسب رهين )
ومن هذا قوله تبارك وتعالى : (إنما أمرت ان اعبد رب هذة البلدة الذى حرمها وله كل شيء) فلما كان ذكر ربوبيته البلد الحرام قد يوهم الاختصاص ، عقبه بقوله (وله كل شيء) ومن ذلك قوله تبارك وتعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا) فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما اوهم ذلك تعجل الكفاية وقت التوكل ، فعقبه بقوله (قد جعل الله لكل شيء قدرا) اى وقتا لا يتعداه، اى فهو يسوقه الى وقته الذىقدره له،فلا يستعجل المتوكل فيقول: قد توكلت ودعوت فلم أر شيئاً فالله بالغ امره فى وقته الذى قدره، وهذا كثيراً جداً فى القران والسنه ، وهو باب لطيف من ابواب فهم النصوص.
وينبغى ان يذكر دليل الحكم ومأخذه ، ومن تامل فتاوي النبى صلى الله عليه وسلم الذى قوله حجه بنفسه، رآها مشتمله على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره،كما سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال:" اينقض الرطب اذاجف ؟" قالوا: نعم، فزجر عنه ومن المعلوم انه كان يعلم نقصانه بالجفاف ولكن نبههم على علة التحريم 0
ومن هذا قوله لعمر وقد ساله عن قبلة امرأته وهو صائم فقال " أرأيت لو تمضمضت ، ثم مججته " فنبه على ان مقدمة المحظور لا يلزم ان تكون محظورة 0
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:لا تنكح امرأه على عمتها ولا على خالتها،فانكم اذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ".
ومن ذلك قوله لابى النعمان بن بشير: أيسرك ان يكون لك فى البر سواء ؟ قال نعم قال:" فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم " 0
وقوله: اما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة فنبه على علة المنع بكون أحدهما عظماً ، وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام 0


رد مع اقتباس