عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-17-2011, 02:22 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

الدين كلٌ لا يتجزأ

دلالات واضحة تبين أن الدين كلٌّ لا يتجزأ

إن أول دليل نستدل به بصورة واضحة تامة، بحيث ينقشع غبار هذه الفرية أو هذه البدعة أو هذه الضلالة: هو قول الله عز وجل في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]. قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله صلى الله عليه وسلم، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك. فاستدل على كلمة جميع بقوله: (كافة) ، والمقصود بقوله: (السَّلْم): الإسلام. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (ادخلوا في السلم) أي: الإسلام، (كافة) أي: جميعاً. وقال مجاهد : أي: اعملوا بجميع الأعمال، والزموا الذكر. وقال الألوسي رحمه الله تعالى: والمعنى: (ادخلوا في السلم كافة) أي: ادخلوا في الإسلام بكّل نيتكم، ولا تدعوا شيئاً من ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه، بحيث لا يبقى مكاناً لهجره. وقال أيضاً: وقيل: الخطاب للمسلمين الخُلَّص، والمراد من (السلم) شُعَب الإسلام، و(كافة) حال منهم، والمعنى: ادخلوا أيها المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم في شعب الإيمان كلها، ولا تخلوا بشيء من أحكامه. وقد ظهر في هذا العصر أقوام تلقوا هدي الإسلام من واقع حياتهم، لا ينشئون نشأة طبيعية، وكان الأصل أن يتعلم الإنسان أولاً الإسلام، ثم يطبق هذا الإسلام ويحكم على الواقع من خلال الإسلام، لكن هؤلاء يقفزون فوق هذه الخطوات الأولى، ويتلقون هدي الإسلام من واقعهم، ويعتقدون أن ما هم عليه من الواقع هو الإسلام، ويتصورون مفاهيم الإسلام من الواقع المحيط بهم؛ لأنهم لم ينشئوا في جو علمي يتأثرون به في حكمهم على الأمة. وبالتالي نراهم كثيراً ما يتخبطون ويحتجون أحياناً ببعض النصوص لإثبات عكس ما وضعت له هذه النصوص، ويسمون الأشياء بغير اسمها، وهذا أوضح وأجلى ما يكون في هؤلاء الذين يقسمون الشريعة إلى شكليات أو قشور ولباب. وصارت هذه المقولة المغرضة شعاراً لهذا الشعار أنصار ودعاة وأقلام وصحف ومناهج وعقول.

تعريف القشر واللُّبَاب

بالرغم من الحشد الذي التف حول شعار القشر واللباب فحتى الآن لا نجد ترجمة واضحة، ما هو القشر بالضبط؟ وما هو اللب بالضبط؟ ولم نجد تحديداً واضحاً للقشر واللب أو معناه، ورغم كثرة من ينادون بقضية القشر واللب وإلحاحهم عليها، وتأكيدهم على هذه القسمة، وإكثارهم من الحديث عنها، لكنهم لم يضعوا تعريفاً أو حدّاً لما أسموه قشراً أو لُباباً، بحيث ينتهي إليه الحد ويفهمه من أراد أن يعمل باللب ويهجر القشر، فلو جاء أحد وسألهم: ما هو القشر حتى أهجره وأستفيد من كلامكم؟ وما هو اللب حتى أعلمه وأتمسك به؟ فلن يجد عندهم جواباً ولا تحديداً ولا تعريفاً؛ وما ذاك إلا لأنها بدعة محدثة لم يعرفها السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم ولا من تبعهم بإحسان، وإنما هي نتاج أفكار المنهزمين المستعبدين للشرق أو للغرب، ونحن نحاول أن نضع حداً تقريبياً أو تعريفاً تقريبياً لهذين القسمين، فنقول: أولاً: تعريف القشر واللباب في جانب المأمورات الشرعية: فاللباب هو كل ما تحت حكم الواجب، والقشر هو ما خرج عن الحكم الواجب. ثانياً: تعريف اللباب والقشر في جانب المنهيات الشرعية، اللباب هو ما يدخل تحت الحرام، والقشر هو ما لم يتناوله الحرام الصريح في المعاصي. وعلى ذلك إذا قبلنا هذا التعريف التقريبي أو حاولنا أن نجتهد ونخترع له تعريفاً تقريبياً، فيكون اللب في الأوامر هو ما يدخل تحت الواجب، واللب في النواهي هو ما يدخل تحت الحرام، والقشر في الأوامر هو ما يدخل تحت المندوب والمباح، والقشر في النواهي هو ما يدخل تحت المكروه. وبناء عليه يجتمع لدينا من القشور ما يزيد على نصف الدين، فيصبح نصف ديننا قشوراً، وهو المكروه والمستحب والمباح، ويبقى من لبابه أقل من النصف، فهل يعقل أن ندع أكثر من نصف الدين بحجة أنه قشور ونأخذ أقل من نصفه بحجة أنه لباب؟! ثم هناك مسائل مختلف فيها، هل هي من الواجبات أو من المستحبات؟ فمثلاً: صلاة الوتر فيها خلاف بين العلماء، بغضّ النظر عن تحقيق الكلام في هذه القضية، لكن هناك مسائل كثيرة جداً مختلف فيها هل تدخل في اللب أم تدخل في القشر؟ وأيضاً ليس هناك شيء من اللباب أو من القشور إلا وهو داخل تحت حكم الله وتحت خطاب الله عز وجل المتعلق بأفعال المكلفين، وهو الخطاب التكليفي، سواء على سبيل التخيير أو الطلب، والطلب إما طلب فعل أو طلب كف، وطلب الفعل إما طلب فعل لازم أو غير لازم، وطلب الكف إما طلب كف لازم وإما غير لازم. فهذا كله يدخل تحت الحكم التكليفي الذي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، وبالتالي لا يصح تسميته قشراً على سبيل الاصطلاح الذي افترضناه، لا على سبيل التهوين من شأنه، فلو قلبت الأمر من هذه الجهة أو تلك الجهة، وحتى لو أردت التهوين من أمره فإنه يبقى تحت حكم الله المتعلق بأفعال المكلفين. كذلك إذا أردت أن تقول: المقصود باللب هو الواجب والحرام، وما عدا ذلك فهو قشر، فهذا أيضاً لا يستقيم مع تعريفنا للأحكام الشرعية التكليفية التي هي خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الطلب أو التخيير تركاً أو فعلاً.

تقسيم الدين إلى قشر ولباب بدعة هدفها هدم الدين

إننا نعيش في وقت ارتفعت فيه مثل هذه النعرات، أعني نعرات القشر واللب، والظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة، وغير ذلك من الشعارات التي سنبينها إن شاء الله تبارك وتعالى. وهم يريدون بذلك تزهيد الناس في التمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصل الأمر إلى أن صوّرت لهم شياطينهم وطوّعت لهم أنفسهم أن يسمّوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تطرفاً، والله سبحانه يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، ويقول تبارك وتعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، وقال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]. وحينما نردد بين الحين والآخر بل في عامة مجالسنا ذلك الشعار المقدس: وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ينبغي لكل مسلم حينما يسمع هذه الكلمة أو حينما يقولها أن يستحضر معناها؛ فهو ليس شعاراً يُرفع بدون تطبيق، بل كل موقف وكل محفل وكل أمر من الأمور لابد أن يوزن بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنحن نعلمها ونعتقدها حينما نقولها، وكلما رفعنا أصواتنا بهذا الشعار فإننا نستحضر أنها تعني الاعتزاز بهذا الهدي، والاستعلاء به على كل طريقة تخالفه أو تنحرف عنه، انظر إلى العسكريين حينما يقفون الوقفة المعروفة احتراماً للعَلَم، مع أنه قطعة قماش، فنحن أشدّ احتراماً لهذا الشعار الذي يرفع فوق رءوسنا في كل حين: وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هو إلا عبارة عن مرآة تعكس ما يغمر قلوب مُحبيه صلى الله عليه وآله وسلم من حُب وتعزير وتوقير؛ لأن المحبة تدفع إلى التشبه والاتباع. فالمحبة موافقة وتجانس ومشاكلة، وهذا نلمسه في كثير من الشباب الذين أولعوا حباً بالممثلين وبالرياضيين وغيرهم ممن يهوونهم ويعظمونهم، فتجدهم يقتدون بأحد هؤلاء في طريقة تسريح شعره أو في ملابسه، وربما قامت بعض الشركات بالترويج لبعض الملابس أو الموضات، فتظهرها مع صورة لبعض هؤلاء الممثلين أو الرياضيين أو غير ذلك ممن يسمونهم نجوم المجتمع، لتروج لها؛ لأن الناس سوف يقتدون بهم. فهل يستكثرون علينا أن نهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولو كانت الموضة هي تقصير الثياب وتقصير السراويل لقالوا: سمعنا وأطعنا، وحباً وكرامة، وعلى العين والرأس، أما إذا فعلت هذا من منطلق الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك تصير حسب زعمهم متطرفاً ورجعياً ومهووساً ومتخلفاً، فهل هذا من الإنصاف؟! إن ما يتمادى به هؤلاء من زعمهم أن الدين قشر ولب، وحقيقة وشريعة، ونحو ذلك، لا يعدو أن يكون جهلاً بالشرع، أو ضرباً من العبث صادراً من إنسان عابث سفيه لا يتمسك بدينه ولا يعظمه، أو أن يكون عن سوء نية وخبث طوية من أعداء الإسلام، فنحن نحاول الردّ إن شاء الله على الفريقين، ونبين أن مصطلح القشر واللب مصطلح ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، ولما كان ظاهره قد يكون فيه الرحمة عند بعض الناس وباطنه من قبله العذاب، انقاد له الطيبين السذّج الذين اتبعوا هذا الطُّعم فاستحسنوه، وصاروا يروجون له دون أن يدركوا أنه قناع نفاقي قبيح، وأنه من أقوال العلمانيين الذين يتخذون شعار القشر واللباب قنطرة يهربون عليها من الالتزام بشرائع الإسلام، دون أن يخدش في انتمائهم إلى الإسلام. صحيح أن هذه القضية تتوقف عند حسن النية من بعض المسلمين الطيبين المخلصين، ويقولون: دعونا من القشور لكي نهتم باللب، فهذا أقصى ما وصل إليه الطيبون المخلصون قليلو العلم من المسلمين، أو ممن ينتسبون إلى الدعوة أحياناً، فمقصودهم إهمال القشر لأجل الاهتمام بالقضية الكلّية للأمة، والتي تتعلق بمصيرها ونحو ذلك. لكن هذه القضية عند المنافقين الحريصين على اقتلاع شجرة الإسلام من جذورها لا تقف عند هذا الحد، بل هذا مجرد مدخل وسُلّم إلى نبذ القشر واللب معاً، وهدم الدين كلّه كما يفعلون حينما ينشرون شعار الاهتمام بروح النصوص، وعدم الجمود عند ظواهرها. لو أن قاعدة الاهتمام بروح الشريعة تقف عند هذا الحد فلا بأس؛ لأن ما يُستقى من القواعد الكلية للشرائع الإسلامية هو مراعاة المصالح الكلية لها، لكن إنما يستقيم هذا إذا تناوله وتعاطاه أناس أسوياء أو علماء مخلصون لهذا الدين، لكنه خطير جداً إذا رفعه أصحاب العاهات الفكرية والنفسية، والمشوهون عقدياً؛ لأن مقصودهم من التركيز على روح النصوص هو أن يذهبوا بروح النصوص، وليس ذلك حفاظاً أو حرصاً على الشريعة ولا تمسكاً بها، ولا أنهم يريدون التمسك بروح النص كي يظهروا روح هذا النص، بل لكي يرفضوا منطوقه ومفهومه، أو يوظفوا هذا النص بعد أن يحرفوه عن مواضعه لخدمة أهدافهم الخبيثة. فالقوم الذين يوافقونهم لا يفطنون إلى أنهم يقفون معهم في خندق واحد في دعوتهم إلى تقسيم الدين إلى قشر ولب، وغير ذلك من التقاسيم، وبالتالي يقفون دون أن يشعروا في خندق واحد مع أعداء الدين الذين يريدون لنا ديناً ممسوخاً، ويريدونه ديناً كدين الكنيسة المعزول عن الحياة، والذي يسمح لأتباعه بكل شيء، ويبيح لهم كل شيء بلا حدود، حتى وصل الأمر إلى إباحة الفواحش التي تتصادم مع الفطرة، كما هو معلوم من أحوالهم، فالكنيسة تنازلت عن كل شيء في دينها، حتى أباحت للقوم كل شيء مقابل أن يسمحوا لها بالبقاء حية، ولو على هامش الحياة! فكذلك هم يريدون من الإسلام نفس الشيء، وذلك بأن يصل الأمر بالمسلمين إلى أن يُعزل الدين عن الحياة، وأن يبيح كل شيء مقابل أن يسمحوا له أن يبقى حياً على هامش الحياة محبوساً في الأقفاص الشمعية، ولا يتركوا له أي بصمة على واقع الناس ولا على مجتمعاتهم، وحالهم كما بين الله عز وجل: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33]، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:15-17].

كل أمور الدين لباب وليس فيها ما يسمى قشوراً

إن الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذا الإنسان، وأنزل هذا الدين كي يبنى به الإنسان بناء متكاملاً، ويسعد به في الدنيا وفي الآخرة، أي إنسان عرف أن كل أمر أو نهي من أوامر هذا الدين ونواهيه هو عبارة عن نوع من الإسهام لكي يزيد في بناء هذا الإنسان، سواء كان هذا من المندوبات أو المباحات أو الواجبات أو المكروهات أو المحرمات؛ لأن كل هذه الأفعال تدخل في شُعَبِ الإيمان التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). فنقص شيء من شعب الإيمان هو نقص في الإيمان، ولا أظن إلا أنهم يعتبرون إماطة الأذى عن الطريق ستكون قشراً على حدّ تعبيرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من الإيمان، وكونها شعبة من شعب الإيمان فإنها إذا تخلفت سوف توجب نقصاً في الإيمان بحسب التفريط في هذه الشعبة، ولذلك فإن أي شعبة يجتنيها الإنسان في دينه ستكون بمثابة الزيادة في إيمانه؛ لأن من أصول أهل السنة قولهم: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهذا هو مذهب السواد الأعظم من الأمة المحمدية. ويقول عليه الصلاة والسلام: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه). يعني: فأي أَمْر أَمَر به النبي عليه الصلاة والسلام فالأصل التزامه واتباعه والانقياد له. قوله: (إذا أمرتكم بأمر) أي: لا تتفلسفوا وتقولوا: هذا قشر وهذا لب وهذا جوهر وهذا مظهر، إلى آخر هذه المتاريس التي توضع في طريق السنة حتى تعوقها عن السير. فهذا التقسيم كما بيّنا آنفاً هو تقسيم محدث لم يعرفه السلف الصالح، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [النجم:23]، وهذه القسمة لا تقف عند حّد، وليس مقصودهم مجرد تقسيم الدين إلى قشر ولُبّ، لكن يتبع ذلك خطوة أخطر وهي المناداة بإهمال الظاهر بحجة الاهتمام بالباطن، ثم يتعدى الملاحدة والمنافقون والعالم اليوم ذلك إلى إهمال الباطن والظاهر. ولذلك نجد أن هذه الشعارات تلقى رواجاً عند المستهترين والمخدوعين؛ لأنهم يرون القوم يسمون لهم المعاصي بغير اسمها، فمثلاً: إعفاء اللحية باعتبار أنها من الأمور التي أوجبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقولون: هذه من سنن العادة ولا علاقة لها بالدين! بل يزعمون أن من قال: إنها من الدين، يكون قد ابتدع في هذا الدين ما ليس منه، وغير ذلك من الشعائر الإسلامية يكررون محاولة إبطالها بهذا المعنى. وعلى قولهم: إن هذه عادات لا علاقة لها بالدين، فنحتاج إلى أن نعرف ما هي العادة وما هي العبادة، وما هو الفرق المحدد بينهما. ونحن نقول: إن ما تجري به أعراف الناس وعاداتهم وتقاليدهم
قسمان:
القسم الأول: ما سكت عنه الشارع ولم يتعرض له بإيجاب ولا بتحريم، فهذا مباح لا لوم على فاعله أو تاركه وصاحبه مخير. القسم الثاني: ما كان في الأصل من العادات، لكن الشرع أوجبه أو أمر به أو حرمه أو نهى عنه. فبمجرد أن يتعرض الشارع لشيء من العادات بأمر أو بنهي أو بإيجاب أو بتحريم فإنه حينئذٍ يدخل في دائرة الدين، ولم يعد داخلاً في العادات بل صار من العبادات، سواء كان من المناهي أم من الأوامر. فما أكثر الأعمال التي كانت تجري مجرى العادات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت من المناهي التي حرمها الشارع، فأصبح اجتنابها من الدين، مثل الوشم، لكن لما نهى عنه الشارع صار تحريمه عبادة، وكذلك وصل الشعر بالشعر، والنياحة على الميت، والميسر، وشرب الخمر وغيرها. كل هذه كانت عادات عند العرب، ولكن لما تعرض لها الشارع بالنهي صار من الدين اجتنابها. يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: اعلم أن مفتاح السعادة في اتباع السنة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع مصادره وموارده، وحركاته وسكناته، وحتى في هيئة أكله وقيامه ونومه وكلامه، لستُ أقول ذلك في آدابه فقط؛ لأنه لا وجه لإهمال السنن الواردة فيها، بل ذلك في جميع أمور العادات، فبه يحصل الاتباع المطلق كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. يعني: أفضل أنواع الاتباع هو الاتباع المطلق، وكل ما كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم فعليك أن تتبعه فيه، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. يقول: فلا ينبغي التساهل في امتثال ذلك، فتقول: هذا مما يتعلق بالعادات فلا معنى للاتباع فيه، فإن ذلك يغلق عنك باباً عظيماً من أبواب السعادات، بل حتى العادات إذا كانت من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، إذا نويت بفعلها الاقتداء به، فإنك تثاب على ذلك وتصبح عبادة في حقك.......



توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس