عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-08-2012, 11:54 PM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

عدم إشغال النفس بتتبع الأخلاق السيئة:
خامساً: عدم إشغال النفس بتتبع الأخلاق السيئة فقط. فبعض الناس يقول: أنا الآن سأبحث عن عيوبي، ليس عندي بخل، أو غضب، أو فحش في القول، أو جبن، أو تهور .. إلى آخره، فهو الآن يريد أن يجتث هذه الأشياء واحدة واحدة، فيشغل نفسه بتتبع الأخلاق السيئة فقط، دون أي شيء آخر، وينسى قضية العبادات التي تزكي النفس، فالعبادات لها أثر، لذلك قال الله: إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-22]، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5]، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19] فإذاً.. الصلاة والصدقة، وحفظ الفرج، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، هذه أشياء تعين على التخلص من الأخلاق السيئة، فبعض الناس أحياناً ينشغل بالأخلاق السيئة فقط، وينسى أن يشتغل بعبادات وأشياء تعينه على التخلص من الأخلاق السيئة. ما مثال هذا؟ ذكر ابن القيم رحمه الله مناقشة لطيفة مع شيخه ابن تيمية ، ذكرها في مدارج السالكين ، ضمن النقاش يقول: مثال الشخص الذي ينشغل بالأشياء السيئة فقط، ويغفل عن الأشياء الأخرى وأن يسير إلى الله، يقول: مثله مثل إنسان مسافر في طريق سفر، في أرض فيها حيات وعقارب، فإذا قال: أنا أريد أن أبحث عن كل حية وعقرب وأقتلها حتى لا تنهشني، فإذا انشغل في تتبع الحيات والعقارب فقط، فهل سيصل؟ قد لا يصل، وقد يغلب من حية أو عقرب تنهشه فيهلك، لكن ماذا يكون الوضع الصحيح؟ قال: يمشي ويتحاشى الشر، فإن عرض له شيء فليقتله ويواصل المسيرة، وإذا تصدى لك شيء فصار أمامك ولا تستطيع أن تمشي فاقتله وأكمل المسيرة، فإذاًَ.. الاشتغال بالتنبيش في الأخلاق والعيوب السيئة فقط، هذا يمكن أن يستهلك من الإنسان وقتاً طويلاً جداً فيذهل عن الدعوة وطلب العلم والعبادة والتربية الإيمانية، وأشياء أخرى، تكون مساعدة جداً في التخلص من الأخلاق السيئة، ولذلك يمكن للإنسان أن يتربى تربية إسلامية بالعبادة، فيكتشف أن خلقاً سيئاً قد زال منه دون أن ينشغل أصلاً بتتبع أصل الخلق السيئ ومحوه وإزالته، لكن لو ظهر الخلق السيئ فينبغي عليك أن تجاهد نفسك في تلك اللحظة والحالة للتخلص منه، وهذه مسألة دقيقة تحتاج لشيء من التأمل والتفكير. ولذلك نحن مطالبون بتزكية النفوس، ليس باجتثاث الأخلاق السيئة والبحث عنها فقط، وإنما بالعبادات والتعلم والأشياء الأخرى، وهذا معنى قول الله عز وجل في وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] هب أن داعي الجهاد قد قام ورفعت راية لا إله إلا الله حقاً حقاً، وقام المسلمون يجاهدون ثق بأن الجهاد إذا حصل سوف يقضي على كثير من الأخلاق السيئة في نفوسنا، وإن لم نتعنَّ نحن التنبيش عنها أصلاً والانشغال باجتثاثها من جذورها. يمكن أن تذهب إلى رحلة حج وترجع وقد تغيرت فيك أخلاق سيئة؛ لأن هناك أشياء مثل المناسك والناس والزحام عندما تراها، ويعلم أن هذا سفر فإنه يصبر على أشياء كثيرة، لكن هذا لا يعني أن الإنسان -مثلاً- لا يبحث عن آفاته مطلقاً، ولكن المقصود ألا ينشغل بذلك عن بقية الوسائل التي تزكي نفسه.
المحاسبة:
سادساً: المحاسبة. المحاسبة أمر مهم، والنفس اللوامة التي تلوم نفسها على ما يحصل منها من الأشياء، هذا أمر مهم في التخلص من الأخلاق السيئة واكتشافها الأخلاق السيئة، ولا بد أن يحاسب الإنسان نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه، كما قال بعض السلف : والمحاسبة ليست مسألة جداول وأرقام كما يفعله بعض المبتدعة في محاسبة النفس، يأخذون جداول وفيها: هل فعلت كذا؟ وهل فعلت كذا؟ وفيها أرقام، ويجمع الأرقام وإذا حصلت على كذا فأنت بخير، وإذا ارتحت فأنت ..، هذه ليست طريقة السلف في المحاسبة، وليس هو التطبيق الصحيح لقول الله عز وجل: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]. التعود على محاسبة النفس على المواقف والأخطاء، إذا وقعت في خطأ فتعزم على التصحيح في المستقبل وتستفيد من هذا الخطأ للمستقبل، ولنأخذ لكم مثالاً جيداً: ابن حزم رحمه الله له كتاب جيد، كتاب مختصر ولكن فيه فوائد كثيرة، اسمه: الأخلاق والسير في مداواة النفوس، وهو ليس شيئاً كاملاً لا يمكن أن يوجد فيه ثغرات، لكنه كتاب مفيد وفيه تأملات عميقة، كتاب الأخلاق والسير ، الآن نأخذ مثالاً: كيف تكون المحاسبة؟ يضرب مثلاً يقول: العجب خلق سيئ، فكيف تحاسب نفسك محاسبة تخلصك من العجب؟ -اسمع معي ماذا يقول!- يقول: من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة، فإن خفت عليه عيوبه جملة -لم ير عيباً فيه- حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد، وأنه أتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً وأضعفهم تمييزاً، وضعيف العقل؛ لأن العاقل هو من ميز عيوبه بنفسه فغلبها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه، قال: واعلم يقيناً أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط. -لا يمكن أن يوجد فينا نحن المجتمعين هنا شخص لا عيب فيه، هذا مستحيل- وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة، يعني: لو أنت فكرت في استماعك لعيوب الناس ما فائدته؟ لا يمكن أن تجد إلا فائدة واحدة، وهي الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته. ثم يقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، لأنك إذا تفطنت في العيوب وظهرت لك أمامك في لائحة العيوب، فكيف ستعجب بنفسك وقد ظهرت أمام عينيك لائحة عيوبك، ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منك، هذه مسألة مهمة، أي: لا تقل: هناك أناس أسوء مني وأتعس مني، وأكثر عيوباً مني، يقول: إذا فعلت ذلك فسوف تستسهل الرذائل، وتكون مقلداً لأهل الشر. ثم يقول: فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذٍ، ولو كان عقلك كاملاً لما جاءت فيه هذه الخواطر السيئة، وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنساها. كل إنسان معه سقطة أو سقطات، وأخطأ أخطاء شنيعة، فكر في هذه الحالات فيزول إعجابك بنفسك فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابك، فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم، وإن أعجبت بعملك إذا صار الإعجاب من جهة العمل، فتفكر في معاصيك. افرض أنك مثلاً شاهدت إنساناً ملهوفاً محتاجاً يستغيث فأعنته، فقدمت له خدمة عظيمة جداً وقام على رجليه، فقد يدخل في نفسك عجب بالعمل، تقول: أنا اليوم لو مت على هذا العمل فأنا من أهل الجنة، قد يأتي في بالك عجب بالعمل، فماذا تفعل؟ يقول: تفكر في معاصيك وفي تقصيرك، وفي معاشك ووجوهه، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويغطي على حسناتك، فليكن همك حينئذ، وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك. وإن أعجبت بعلمك، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، فكيف تزيل العجب بالعلم؟ أن تعتقد أنه موهبة من الله وهبك إياها ربك، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف وهو من أهل العلم والذكاء، واعتدال الأحوال وصحة البحث، أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج لاستعادته، يحفظ من مرة واحدة، وقيل: إنه ركب البحر فمر به هول شديد في البحر، أنساه أكثر ما كان يحفظ، وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً. يقول ابن حزم : وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له، فما عاودته إلا بعد أعوام، أي: ما استرجعت المحفوظات هذه بعد هذا الهم وهذه الكربة أو العلة إلا بعد أعوام. والذي يعجب بعلمه -أيضاً لإذهاب العجب من نفسه- فعليك أن تعلم أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلوم أكثر بكثير مما تعلم، فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم منه، فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها فهو أولى. وسيلة أخرى: تفكر فيمن كان أعلم منك، تجدهم كثيرين، وشيء آخر: كم علمت من العلم الذي عندك، لو صار عندك عجب، فكر كم في المائة من العلم الذي تعلمته نفذته وطبقته، فيسقط عجبك بالكلية. وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله إياها فيما صرفتها؟ فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق، لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمناً لها، وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدته بالعجب، فصرت الآن بين النارين، ثم تأمل هذه الشجاعة كيف ستزول عنك إذا بلغت من الكبر عتيا، وصرت من عداد العيال والصبيان في الضعف. وإن أعجبت بجاهك ومنصبك ومكانتك في الشركة والمؤسسة -مثلاً- فتأمل في مخالفيك وأندادك ونظرائك من الناس الذين لهم وجاهات، وتأمل في خستهم وما وصلت بهم وجاهاتهم من معصية الله عز وجل؟ ولذلك لما جلس ابن السماك رحمه الله يعظ الرشيد مرة دعا بحضرته بقدح فيه ماء ليشربه -الرشيد - فقال له: يا أمير المؤمنين! لو منعت هذه الشربة بكم كنت ترضى أن تبتاعها؟ -كم تعطي من ملكك لتبتاع الشربة؟- فقال الرشيد : بملكي كله -أي: أموت إذا لم أشرب- قال: يا أمير المؤمنين! فلو منعت خروجها منك -أي: أنه صار عندك حصر بول- بكم كنت ترضى أن تفتدي من ذلك؟ قال: بملكي كله، قال: يا أمير المؤمنين! أتغتبط بملك لا يساوي بولة ولا شربة ماء، فعلمه التواضع وعدم العجب بالخلافة والملك. وإذا فكر الإنسان في نفسه وطبائعه وتولد الأخلاق، فإنه سوف يقف على يقين بأن الفضائل هي ما منحه الله للإنسان، وأنه لولا الله لعجز وهلك، ويسأل الله ألا يكله إلى نفسه طرفة عين، يقول: قد تتغير الأخلاق الحميدة بالمرض والفقر والخوف والغضب والهرم، فأنت الآن تلاحظ أن كبار السن يصير عندهم نوع غضب أكثر، وحدة أكثر، وتراه يثور لأتفه الأسباب، تأمل إذاً نعمة الله عليك، يقول: لقد أصابتني علة شديدة وتولدت علي ربواً شديداً في الطحال، وولد علي ذلك من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر أمراً حاسبت نفسي فيه، إذ أنكرت تبدل خلقي، واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي، وصح عندي أن هذا المرض يولد من هذه المفاسد أشياء كثيرة. فإذاً: الإنسان بالتأمل والمحاسبة، ومناقشة النفس، يمكن أن يزيل أخلاقاً سيئة من نفسه.
التحويل والتوجيه:
سابعاً من وسائل تغيير الأخلاق: التحويل والتوجيه. مثلاً: شخص عنده غضب أو عنده حدة، أو طمع وفخر وعلو وخيلاء، كيف يحول هذه الأخلاق ويوجهها لكي يستثمرها في الأشياء الطيبة؟ بعض الناس من المشكلات التي يواجهونها في تغيير الأخلاق السيئة أنه يريد أن يجتث الخلق بالكلية، فلا يريد أن يكون عنده خيلاء أبداً، ويكون حاله مثل حال أهل البلدة، أهل بلدة تفجر النهر عليهم وصار يجري باتجاههم وهم يعلمون أنه سوف يغرق زروعهم وثمارهم ومبانيهم فقالت طائفة نبني سدوداً، ونجعل هذا السد يوقف الماء المتدفق، لكن هؤلاء الناس لم يكن على حسبانهم أن يكون الماء متدفقاً بشدة فيهدم السد، وأناس آخرون قالوا: أفضل شيء أن نذهب إلى منبع النهر فنسده، ولا نجعل فيه مجالاً؛ لأن الماء يخرج منه وينبع، ولا خلاص إلا بقطعه من ينبوعه، فلما ذهبوا لسده تعذر عليهم، وأبت الطبيعة النهرية إلا الجريان، فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر، فأشغلهم منع النهر عن الزروع والثمار والعمران التي كانوا فيها، وفرقة ثالثة رأت ما حل بالأولى من الدمار، وما حل بالثانية من ضياع الأعمال، فأخذوا في حفر مجارٍ للنهر في أماكن يتوجه إليها، فصاروا يحفرون لهذا النهر مجاري وسواقي وفروعاً فتحول النهر عن قريتهم التي كان سيدمرها إلى هذه المجاري ومن المجاري إلى أراضي زراعية قابلة للزراعة، فنبت فيها أشياء كثيرة، فانتفعوا ونجوا من المهالك. ما علاقة هذا بموضوعنا؟ علاقته أن بعض الناس يقولون: لا بد أن نجتث هذا الخلق اجتثاثاً، ثم لا يمكنهم ذلك ويفشلون، وقد ينشغلون بأشياء عن القضايا الأخرى مثل الطاعات، فالحدة -مثلاً- نستخدمها عندما تنتهك محارم الله، لاحظ معي هذا التحويل، يستخدم الحدة عندما تنتهك محارم الله، ويجعل الطمع في الخيرات والمسابقة فيها وتحصيل الثواب، فبدل أن كان طمعه في الدنيا صار في الآخرة، فالطمع لا زال موجوداً لا يمكن اجتثاثه من النفس، لكن حولناه من الطمع في الدنيا إلى الطمع في الأعمال الصالحة. الفخر قد يصعب اجتثاثه من النفس بالكلية، لكن بدلاً أن يكون فخراً بالجاهلية وفخراً بالآباء والأجداد وفخراً بالقبيلة فليكن فخراً بالإسلام:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
فالفخر لا يزال موجوداً في نفسك، لكن حولته إلى فخر بشيء حسن، وهو الفخر بالإسلام. القهر: الإنسان يحب أحياناً أن يرغم أنوف الناس، يحب أن يكون له العلو والغلبة، فلماذا لا يحول هذا القهر إلى قهر للأعداء، وقهر المنافقين والعلمانيين، وقهر أعداء الله والرد على اليهود والنصارى، والرد على أهل الشبهات فيقهرهم بالحجة، فيصرفه إلى مجرى نافع ومفيد. الخيلاء: أن يكون عندك خيلاء؟ نعم. ممكن، لكن حول الخيلاء إلى الأشياء الطيبة -مثلاً- الخيلاء على أهل الباطل، مثل الخيلاء في الحرب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بلبس الحرير ومشية الخيلاء في الحرب، وقال: (هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن) وصار الصحابي يتبختر ويتمايل، ويلبس الحرير أمام صفوف الأعداء، فإذاً: حولنا الخيلاء من شيء سيئ على عباد الله المستضعفين إلى الخيلاء على الأعداء وفي الحرب، فإذاً: هناك خيلاء لكنه يرضي الله ورسوله. ومن تأمل هذا الباب وجد أن فيه مواءمة وملاءمة لطبيعة النفس، واستفادة وتحصيل أرباح وعدم انشغال بأمور هي أقل جدوى، وهذه المسألة مهمة في التربية، لا يدركها ولا يتفطن لها إلا من وصل فعلاً إلى قناعة بالطرق السليمة في توجيه الأخلاق وتهذيبها.
التصعيد:
ثامناً: التصعيد. ما هو التصعيد؟ هو تحويل تطلعات الشخص من الأشياء الدنيئة إلى الأشياء العالية، ومن الأشياء الصغيرة التافهة إلى كبار الأمور، فمثلاً يقول الله عز وجل: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طـه:131] لا تشغل نفسك بالصغائر والتراهات، وجمع الأموال والركض وراء الدنيا؛ لأن هذه أشياء تبلى، والزهرة تموت وتذبل، هذه فتنة نفتنهم فيها، وقال: وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:131] صعد في نفسه الاهتمام من الأشياء الدنيئة وهي زهرة الحياة الدنيا، وما متعنا به أزواجاً منهم إلى: (( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )) ولذلك التربية من الأشياء التي فعلها عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه الدالة على عظم تربيته لهم، أنهم كانوا أناساً هممهم تافهة كانوا منشغلين في الجاهلية بالخمر، والنساء، والحروب، ودفن البنات، والنوادي، والمنتديات، والكلام الفارغ التافه، ليس عندهم هدف، فصاروا بعد الإسلام قادة في العالم، فكان منهم الفاتحون والقدوات والعلماء والحكماء، لقد نقل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة من اهتمامات دنيئة في الجاهلية إلى معالي الأمور والتطلع نحو قيادة العالم.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
أنت إذا كان عندك أهداف وطموحات تسعى لها حسب طموحاتك، بعض الناس يقول: أنا أريد أن أكون مدير الشركة، هذه طموحاتي، أنا أريد أن أكون دكتوراً، فتنصرف أعمالهم في هذا الشيء، ولو أنهم وضعوها في طلب العلم وفي الجهاد وفي الدعوة، لاهتدى على أيديهم خلق كثير وحفظ آيات وأحاديث بمعانيها وتعلم أحكام، وجاهد في الله فأبلى بلاءً حسناً، فيكون قد صعدت في نفسه الاهتمامات بالأشياء الدنيئة إلى مستوى عالٍ في الاهتمام بالأمور العظيمة. وهذا الأمر فيه وسائل مثل التشويق والتحبيب والتحسين والتزيين والممارسة، انظر -مثلاً- في قول الله عز وجل لما حدثت حادثة الإفك وتكلم في عائشة من تكلم، وكان ممن تكلم غلام لـأبي بكر اسمه مسطح بن أثاثة ، تكلم في عائشة ، وعندما نزلت براءة عائشة غضب أبو بكر ومنع وقطع النفقة عن مسطح عقاباً له، فنزل قول الله عز وجل: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما رأى المسألة فيها ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال: [بلى يا رب! أنا أحب أن تغفر لي] انتقلت القضية في نفسه من الانتقام من هذا الشخص إلى شيء أعلى وهو الحلم والعفو عمن ظلمك والإحسان لمن أساء إليك، فارتفعت المسألة بهذا الأسلوب وهو ألا تحبون أن يغفر الله لكم.


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس