عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-01-2012, 03:50 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

بلال يناديك من أعلى المنارة --- وأنت نائم في العمارة .
لو أطعت بلال لدخلت في مسمى الرجال
(رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) .
كيف لا يقومون وسيدهم صلى الله عليه وسلم وإمامهم كان يقوم الليل .
عن عائشة . قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ، فتقول له : لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول : أفلا أحب أكون عبداً شكوراً ) .
يقوم صلى الله عليه وسلمحتى تتفطر قدماه شكرا لهذه النعمة وهي مغفرة الذنوب ، إن جزاء من أسدى إليكم معروفاً أن تجتهد في شكره .
وأحق الناس يقوم بذلك هو صلى الله عليه وسلم ، فكان يقوم الليل شكراً لربه وطاعة له على نعمه العظيمة التي من أعظمها مغفرة الذنوب ما تقدم منها وما تأخر .
إذاً : الشكر يكون بالقول ويكون بالفعل ، فليس الشكر فقط باللسان بل بالفعل ، فشكر الله يكون باللسان وأيضاً نشكر الله ، بأن نستغل هذه الجوارح بطاعة الله تعالى ، سجوداً وطاعة ، ذكراً لله باللسان ، وصدقة لوجه الله باليد ، وذهاباً إلى المساجد والمحاضرات والدروس بالأرجل .
يقول عبد الله بن رواحه .
وفينا رسـول الله يتـلو كتابَه إذا انشقّ معروفٌ من الصبحِ ساطعٌ
أرانا الهدى بعد العَمى فقلوبنا به موقنـات أن مـا قـال واقـع
يبيت يجافي جنبه عن فراشـه إذا استثقلت بالمشـركين المضاجـعُ
رابعاً : وفرق تعالى بين من قام الليل ومن لم يقمه ، ممتدحاً صاحب القيام .
فقال تعالى( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُـو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) .
كيف يستوي من تحمل مشقة السهر ، ومؤنة الوقوف ، وآثر على المنام لذة القيام ، طمعاً ورجاء بوعد الله ... كيف يستوي هو ومن ضيع ليله نائماً هائماً ، لم ينشطهُ وعد ولم يخوّفه وعيد .
فيا أخي المسلم ، بعد سماعك لهذه الآية ألا تريد أن تكون من أولئك الذين مدحهم الله وأثنى عليهم ، يقومون الليل يسجدون ، يرجون الآخرة ، يرجون وعد الله تبارك وتعالى ويخافون عقابه .
إن القلب الحي هو الذي إذا سمع الآيات تدبر وتفكر وتأمل وخشع وخضع وسمع وأنصت وطبق ، نعم ، (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) فينبغي على المسلم أن يعرف قيمة هذه الآية ، وأن الله لم يسوِّ بين هذا وبين من ضيع ليله ، ألا تريد أن تكون من أولئك الأبطال الذين يقضون ليلهم بطاعة الله ، فنسأل الله أن نكون ممن وفقوا لتطبيق هذه العبادة والاستفادة والتدبر لآيات القرآن الكريم .
خامساً : قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة .
عن أبي هريرة . قال : قال صلى الله عليه وسلم( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) رواه مسلم .
أي صلاة التطوع بالليل أفضل من صلاة التطوع بالنهار ، فلو أن شخصاً قال أيهما أفضل أصلى ركعتين تطوعاً لله في الظهر أو في الليل قلنا في الليل أفضل ، فهذا معنى الحديث : معناه التطوع المطلق ، أما التطوع المقيد فهو أفضل بوقته .
وهنا سؤال يطرح نفسه : ما السبب في أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار ؟ اسمع للجواب :
قال ابن رجب : وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار ، لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص ، ولأن صلاة الليل أشق على النفوس ، فإن الليلَ محل النومِ والراحة من التعب بالنهار ، فترْك النوم مع ميل النفس إليه مجاهدةٌ عظيمةٌ ، ولأن القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر ، فإنه تنقطع الشواغل بالليل ، ويحضر القلب ويتواطأ هو واللسان على الفهم كما قال تعالى ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً ) .
نعم ، فصلاة الليل كما قلت : دليل الإخلاص ، صلاة الليل دليل المتقين ، صلاة الليل دليل الزاهدين ، صلاة الليل دليل على أن هذا القلب متعلق بالله تبارك وتعالى ، صلاة الليل خَلوة بالله تبارك وتعالى ، نعم ، خلوة السحر وما أدراك ما خلوة السحر .
خلوة السحر : سكينة النفوس ، وطمأنينة القلوب ، تنساب فيها دموع المخلصين على خدودهم تترى .
هذه الخلوة ، هي والله مدرسة الإخلاص ، فيها ينشأ وينمو ، وفيها يكبر ويزهو ، وبها يُحفظ ويربو ، لأنها عبادة غائبة عن أعين الناس ، وعن مديح الناس ، فلا يقدم عليها إلا مخلص يبتغي بها وجه الله والدار الآخرة ، ولذا فإن لها حلاوة أيما حلاوة ؟ ولذاذة أيما لذاذة .
فالخالي في الأسحار ، بالتبتل والأذكار ، والدعوات والاستغفار ، لا يشعر بغربةٍ في نفسه ، ولا بوحدةٍ في حسه ، بل هو في أنس الله يرتع ، وفي اجتماعه به ينعم ، وبقربه يتسلى ، وبحبه يتلذذ ، وبمعيته يسعد ، وبالخضوع الصادق يتعبد، فخلوة السحر ساعة مباركة، يُكثِّر الله فيها القليل ، ويُربي فيها الضئيل ، ويجزي على العبادة فيها خيراً كثيراً ، إنها تعوَّدَ العبد على الصدق مع الله ، وعلى عدم التزين للمخلوق ، وتشغله بخاصة نفسه ، ومطالعة عيبهِ ، والاستغفار لذنبه ، خلوة السحر تعلم الإنسان الزهد في الدنيا ، وتميت الطمع والحرص عليها في قلبه ، وتجعله مقبلاً على الله ، مدبراً عن الدنيا ، خلوة السحر تورث رقة القلب ، ورفق الطبع ، والتواضع للخلق ، ترغب في العزلة المحمودة ، والأنس بالله تبارك وتعالى .
سادساً : من أسباب دخول الجنة .
ففي حديث عبد الله بن سلام . قال : قال صلى الله عليه وسلم ( أيها الناس ! أطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي .
فمن أراد الجنان ، فليعمل برضا الرحمن ، وليجتهد في استغلال الزمان في كل ما يقرب إلى ذي الجلال والإكرام .
سابعاً : قيام الليل سبب للنجاة من الفتن .
فالصلاة عموماً ، وصلاة الليل خصوصاً سبب من أسباب النجاة من الفتن .
فقد جاء في صحيح البخاري عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي r استيقظ ليلة فقال ( سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتن ؟ ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ ! من يوقظ صواحب الحجرات ؟ ! كي يصلين فرب كاسية في الدنيا عاريةفي الآخرة) .
ففي هذا الحديث دليل وتنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن .
فالصلاة عموماً وصلاة الليل خصوصاً لها أثر كبير في النجاة من الفتن ، لأنها من أعظم الأعمال الصالحة ، ومن المعلوم أن العمل الصالح سبب للنجاة من الفتن إذا قَدمت وحلت كما قال r ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ) رواه مسلم .
يبيع دينه الذي هو الأساس يبيعه بعرض من الدنيا قليل ، من أجل مالٍ أو منصب أو جاه أو مركز [ فالله المستعان ] فتن عظيمة ، شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بظلام الليل ، فينبغي على المسلم أن يحذر كل الحذر من الفتن ولا يتساهل بها ، ونحن نرى بأم أعيننا كيف يتساقط الناس يوماً بعد يوم بسبب الفتن ، فالإنسان ينبغي أن يتحصن قبل وقوعها وقبل مجيئها، ونحن في هذا الزمان : الفتن تنوعت وكثرت ودخلت في كل مكان : في الشارع ، في السوق ، في المدرسة ، في كل مكان .
فمن أعظم أسباب الثبات – وأسباب الثبات كثيرة – لكن من أعظمها الصلاة وبالذات صلاة الليل ، لأنها كما قلت قبل قليل أن صلاة الليل دليل الإخلاص ودليل الزهد ، وفيها الخلوة بالله تبارك وتعالى ، والنتيجة : أن الله يثبته ويعطيه من القوة والنشاط ويعطيه من الإخلاص واليقين ما يثبته أمام الفتن ، فالفتن أقبلت وتنوعت وكثرت ، فيا أخي المسلم عليك بالصلاة ، وخاصة صلاة الليل ، واجتهد لتنجو في هذا الزمان فإن من ينجو قليل .
ثامناً : أنه شرف للمؤمن .
فقد جاء في الحديث عن سهل قال : قال صلى الله عليه وسلم ( جاءني جبريل ! فقال يا محمد ! اعمل ما شئت فإنك مجزي به ، ... واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) رواه الطبراني وحسنه الألباني .
فقيام الليل شرف للمؤمن ، لأنه دليل على إخلاصه ، ودليل على ثقته بربه ، ودليل على قوة إيمانه ، فيرفعه الله ويعزه ويرفع مكانته ويعلي درجته لأنه خلى بالله تعالى .
ولذلك قال الحسن البصري عن أصحاب الليل : لما سئل لماذا وجوههم بيضاء : قال : قوم خلوا بالرحمن فأعطاهم من نوره سبحانه.
تاسعاً : لهم غرف في الجنة .
قال صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وصلى بالليل والناس نيام ) رواه أبو داود .
عاشراً : بقيام الليل يدرك المصلي وقت النزول الإلهي .
نعم ، إذا قام من الليل في وقت السحر فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي ،كما جاء الحديث الصحيح عن أبي هريرة . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ) متفق عليه
إذاً ، حينما يقوم الإنسان بالليل فإنه يدرك وقت النزول الإلهي ، لحظات عظيمة ، لحظات مباركة ، نعم ، تلك اللحظات تتنزل فيها البركات ، وتتغشى العابدين الرحمات ، وتستجاب السؤالات ، ويتجاوز فيه الله سبحانه عن الزلات والخطيئات ، من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ، فيا لها من لحظات ساكنة ، ويا له من جود عريض ، وكرمٍ سخي ، وإحسان وفيٍ ، فأين من يستثمر تلك اللحظات في دعوةٍ صادقة ، وتوبةٍ ناصحة ، يصلح الله له بها أمر دينه فلا ينثلم ، وأمر رزقه فلا ينعدم ، وأمر ماله فلا يخيب أبداً .
فيا أيها الإنسان ما أجهلك ؟ وما أعجلك ؟ تُؤثر نوم ساعة على نيل راحة خالدة ؟
يا أيها الإنسان ! ما أظلمك ، تعصي ويعرض عليك الغفران فتأبى ، فسبحانك ربي ما أرحمك وأحلمك ، تبسط يدك بالليل ليتوب مسيء النهار ، وتبسط يدك بالنهار ليتوب مسيء الليل .
يا نائم الليل كم ترقدُ قم يا صديقي قد دنا الموعدُ
وخذ من الليلِ وأوقاتهِ ورداً إذا مل هجـعَ الرقـدُ
من نام حتى ينقضي ليله متى يبلـغ المنزل أو يسعـد


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس