عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-17-2012, 01:07 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

أمر الشرع بمخالفة الكفار والنهي عن التشبه بهم



ويقول عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، فقوله عز وجل: (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ) هذا نهي مطلق عن مشابهة الكفار. وقال الحافظ ابن كثير: ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية. إن ترك التشبه بالكفار في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها القرآن الكريم، وبينها وفصلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحققها في أمور كثيرة من فروع الشريعة، في الصلاة والجنائز والصيام والأطعمة واللباس والزينة والآداب والعادات وغيرها. قال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا) حتى عرف اليهود أن من خصائص الملة الحنيفية أنهم يتعمدون مخالفة المشركين والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم. اليهود الذين كانوا في المدينة عرفوا ذلك ولاحظوه من أفعال وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه!) رواه مسلم . والنبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً في الحديث الصحيح: (ومن تشبه بقوم فهو منهم). وعن الحسن قال: قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم. يعني: في الدنيا والآخرة. وقال بعض مشيخة الأنصار رضي الله عنهم: (يا رسول الله! إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم) عثانينهم: جمع عثنون وهي اللحية. وتأملوا كلمة (يقصون) جيداً، ما قال: يحلقون وإنما قال: يقصون يعني: يقصرونها. قال بعض مشيخة الأنصار: (يا رسول الله! إن أهل الكتاب يقصون عنانينهم -يعني: لحاهم- ويوفرون سبالهم -يعني: شواربهم- فقال عليه الصلاة والسلام: قصوا سبالكم، ووفروا عنانينكم، وخالفوا أهل الكتاب)، وهذا حديث حسن. وقال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس) رواه مسلم . ويقول الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصرونها. فمما ينبغي أن نتنبه إليه جيداً أن المشركين الذي كانوا يعيشون في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ذوي لحى، وهذه النقطة تسبب نوعاً من الاشتباه، وتلبس على بعض الناس هذا الأمر، والعرب ما عرفت حلق اللحية، ولعل هذا كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام الذي بقيت عليه العرب. فالعرب لم تترك زينة اللحى لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فقد كان أبو جهل ملتحياً، وكان أبو لهب ملتحياً،... وهكذا. إذاً: الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) يأتي بعض الناس ويتفلسفون ويقولون: الآن المشركون يعفون لحاهم! فنقول: هذا غير صحيح؛ لأن عامتهم يحلقونها، وهذه البلية ما جاءت إلا من قبلهم، لكن لو نسلم جدلاً أن المشركين يعفون اليوم لحاهم فهل نخالفهم بحلق لحانا؟! لا، فنقول لهؤلاء المغرر بهم: إنكم أسأتم فهم الحديث، والدليل على أنكم أسأتم فهمه أن المشركين الذين أمر الصحابة بمخالفتهم في هذه الأحاديث على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا ذوي لحى، إنما كانت المخالفة في التفاصيل وليس في أصل الفعل، والمعنى: أن اللحى تترك وتعفى لا تقص ولا تقصر مخالفةً للمجوس، فضلاً عمن يحلقها، والشوارب تقص ولا تترك مخالفة أيضاً لهؤلاء المشركين، حتى إن الغربيين كانوا يعفون لحاهم إلى أن أشاع الملك بطرس ملك روسيا حلق اللحية. ومن الغربيين تسربت إلى المسلمين هذه السنة السيئة فيما بعد، فإذا حلقوا لحاهم فنحن نخالفهم في أصل الفعل؛ لأننا نفعل ذلك امتثالاً لأمر نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا أعفوا لحاهم نخالفهم في التفصيل وذلك بقص الشوارب. نضيف إلى ذلك أن بعض الناس يلبسون في هذا الأمر بقولهم: إن هذا التعليل غير مستمر، أي: هم يقدحون في استمرار هذه العلة وهي مخالفة المشركين؛ لأن بعض المشركين اليوم لا يعفون لحاهم، فنقول: إن سنة أكثر المشركين اليوم هي حلق اللحية، بل ما تسربت هذه البدعة إلا من المشركين، وهم يستحسنون ذلك حتى تصبح وجوههم كوجوه النساء، وهم يعتبرون هذا من الزينة، وقد ذكرنا أن هذه زينة خاصة بالنساء، وآية ذلك أنك إذا تعودت أن ترى رجلاً معفياً لحيته، ثم رأيته فجأة قد حلق لحيته، فماذا يكون شعورك؟ تشمئز جداً، وتشعر كأنه مثل الأرنب الذي سلخ جلده، فأنت تنفر من المنظر؛ لأنك تعودت على رؤية الهيبة والوقار والزينة التي تليق بالرجال. أما من أعفى لحيته من المشركين، فلماذا أعفاها؟ ربما يكون قد أعفاها اليهودي أو النصراني تديناً بذلك؛ اتباعاً لعيسى أو موسى، ولأن هذه سنة الأنبياء، ونحن نتفق معهم في هذه الفطرة. وربما أعفى لحيته لأن إعفاء اللحية رجولة وفحولة، فنقول: بفعله هذا قد سلمت فطرته في هذه الجزئية، حيث رأى أن هذا من الرجولة، ففطرته سلمية في هذه الجزئية، وتوافقت شريعتنا فيها مع شريعتهم، ومثال ذلك: أن شريعتنا تأمر ببر الوالدين، وشريعتهم تأمر ببر الوالدين، فهل نترك بر الوالدين لأنهم يطيعون آباءهم؟! ونحن لا نزال نخالفهم في سنة قص الشوارب وهو أخذ ما طال عن الشفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا)، فإذا كان بعض الكفار اليوم كاليهود مثلاً يعفون لحاهم والآخرون يحلقونها، فنحن مأمورون بمخالفة الحالقين والمقصرين لا بمخالفة من أعفاها، فاليهود كفار، وفيهم من يعفي اللحية، وفيهم من يحلقها أو يقصرها، فمن الذي نخالفه من الأصناف الثلاثة؟ نخالف فقط الذي يقصر أو يحلق، أما الذي يعفي فنحن نوافقه فيها، فلو كانت القاعدة أن ما يفعله الكفار يجب اجتنابه مطلقاً لوجب علينا ترك القتال؛ لأن اليهود يقاتلون! فهل نخالف اليهود في ترك القتال، ونتمرد على الفطرة؟! كلا، كذلك لا يقدح في استمرار التعليل بمخالفة المشركين أن أكثر المسلمين اليوم يحلقون لحاهم، ويقولون: أكثر المسلمين يحلقون لحاهم، وهم بذلك يتميزون عن المشركين، فنقول: إذا كان أكثر المسلمين يحلقون لحاهم فإن القرآن والسنة حجة عليهم، وليسوا هم حجة على القرآن والسنة، وقد دل القرآن على تحريم تغيير خلق الله وتحريم التشبه بالنساء، ودلت السنة على أن إعفاء اللحية من خصال الفطرة التي لا تتبدل بتبدل الأزمان، فانحراف البعض عنها لا يجعلنا نرفض ما شرعه الله لنا وفطرنا عليه لمجرد أن يفرط فيه بعض المنتسبين إليه؛ لأنهم مأمورون بامتثال هذا الأمر. ......
إن إعفاء اللحية رجولة وفحولة؛ فإن الله تبارك وتعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل وجود الشعر سمة مشتركة بينهما في موضع من البدن، وليس من هذه المواضع المشتركة اللحية والشارب، بل ميز الله تبارك وتعالى بهما الرجل عن المرأة، ولأن يلبس الرجل ملابس المرأة أخف من أن يحلق لحيته تشبهاً بها؛ لأن لحية الرجل هي الفارق الظاهر والمميز الواضح بين الرجل والمرأة، وقد شرع الله لكل من الزينة ما يناسب فطرته، وأباح الشرع للنساء التزين بالذهب والحرير وحرمهما على الرجال؛ لأنهما لا يناسبان كمال الرجولة. وكما أن من جمال المرأة أن تعدم اللحية والشارب في وجهها؛ فإن جمال الرجل وهيبته ووقاره في لحيته وشاربه. أما من وجهة نظر الطب، فالطب محايد لا دين له للأسف الشديد، فلنسمع ما تقوله المصادر الطبية المحترمة في هذا المجال. معلوم من الناحية الطبية أن نمو اللحية في وجه الرجل هو أثر من أثار هرمون الذكورة الذي يسمى (التستوستيرون)، ونزول هذا الهرمون ينبت شعر اللحية والشارب في وجه الرجل، وهناك أمراض تطرأ على بعض الرجال وينشأ عنها مرض نقص الذكورة، وهذا المرض يكون مصحوباً بسقوط شعر اللحية من الوجه. ونفس هرمون الذكورة لو حقن في أنثى سيؤدي إلى مرض عند المرأة يسمى اضمحلال الأنوثة أو نقص الأنوثة أو بعبارة أخرى يؤدي إلى الاسترجال عند المرأة، ومن أهم وأوضح الأعراض الناتجة عن ذلك عرض مشهور جداً في الطب يسمى الشعرانية يعني: كثرة نمو الشعر في مناطق لم تكن مشعرة كاللحية والشارب، فتجد المرأة التي يحصل فيها أعراض الرجولة أنه لابد أن يظهر فيها الشعر في مواضع من البدن ومنها اللحية والشارب. فهذا رأي الطب الذي هو علم محايد لا يتمسك بدين، وهذا الكلام في كل المراجع الطبية، وإن شئتم فراجعوها. ......
وجه كون حلق اللحية تشبهاً بالنساء
إذا كان إعفاء اللحية من جانب هو رجولة وفحولة فلا شك أن الجانب الآخر وهو حلق اللحية يعد تشبهاً بالنساء، فعنابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه رأى امرأة تمشي متقلدة قوساً وهي تمشي مشية الرجل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال) وهذا حديث صحيح. فلا شك أن مشابهة حالق لحيته للمرأة أوضح من مشابهة من تقلدت القوس ومشت مشية الرجال، كما أنا المرأة إذا اتخذت لحية مصنوعة في وجهها فهي متشبهة بالرجال، أو اتخذت الشارب الصناعي في وجهها فهي أيضاً متشبهة بالرجال، وكذلك الرجل الذي يحلق لحيته التي زينه الله بها يكون قد تشبه بالنساء, وأنت إذا سألت رجلاً أو حتى صبياً من عامة المسلمين الملتزمين بالدين عن وجه الحليق: من يشبه؟ لقال: يشبه وجه المرأة، ووجه الصبي، ووجه اليهودي والنصراني. ولله الحمد تجد أولاد الملتزمين بإعفاء اللحية إذا رأوا حليق اللحية فإنهم يفزعون ويتغيرون؛ لأنهم محتكون بملتحين! والعلماء أطلقوا على حالق اللحية لفظة بشعة، لكن نحن نعلم أن الإخوة الأفاضل الذين يحلقون لحاهم إنما هو نتيجة أنهم لا يعرفون حكم الله في هذه المسألة، فنعتذر عن وجود بعض الألفاظ الشديدة، لكن هذا يعكس مدى استبشاع السلف لهذا الفعل، ومن هذه الألفاظ الشديدة التي أطلقها العلماء على حالق اللحية لفظة: التخنث. يقول الإمام حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: ويحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال. فلو أن رجلاً أتى فصبغ أطرافه بالحناء، ومعلوم أن الحناء زينة النساء، فيكون هذا الرجل الذي صبغ أطرافه بالحناء قد تشبه بالنساء، ولو كان ذا لحية وشارب وعمامة، فكذلك من حلق لحيته يكون قد تشبه بالنساء ولو كان ذا شارب وقميص وعمامة. إذاً: لابد أن نلحظ أمراً مهماً جداً، وهو أن قضية التشبه لا يتوقف الاتصاف بها على القصد والنية كالإتلاف والقتل والضرب، فمن فعل ذلك اتصف به وإن لم يقصده؛ لأن قضية التشبه لا تفتقر إلى السؤال عن النية؟ بل يكفي في وصف الإنسان بأنه متشبه بالكفار أو بالنساء مجرد وقوعه في فعل التشبه، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أعمال لم يقصد فاعلها التشبه، ولا خطر التشبه على باله، كالنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب؛ لكيلا نتشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس في هذه الأوقات، مع أن المسلم لا يقصد بالسجود إلا الله تعالى، ومع ذلك يعتبر هذا تشبهاً، فإذا كان حلق اللحية تشبهاً بالنساء فعلى الجانب الآخر يكون إعفاء اللحية زينة وتكريماً. ......
من أوجه تكريم الله لبني آدم وجود اللحى في الرجال
يقول تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ الإسراء:70] يقول بعض العلماء في تفسير الآية: من تكريمه إياهم: خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها. وذكر بعض العلماء من أمثلة هذا التكريم: تزيين الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقال عز وجل: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً[البقرة:138]. وقال عز وجل:]لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ/01/]يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ][الانفطار:6-8]. وقال سبحانه وتعالى: ]صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ][النمل:88]. وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: (كل خلق الله عز وجل حسن). فلابد أن نوقن أن هذه الهيئة التي خلقنا الله عليها هي نعمة من الله سبحانه وتعالى وتكريم لنا، فوجود اللحية في الرجل نعمة، فحلق اللحية والإطاحة بها طعن في هذه الحكمة، وجحود لهذه النعمة، وكأنك تقول: الهيئة التي خلقتني عليها -يا رب- هيئة قبيحة! معاذ الله! إذاً: هذا كفر بهذه النعمة العظيمة، وانتكاس عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وانحطاط إلى مستوى الكفرة الذين زين لهم سوء أعمالهم، فحلق اللحية ليس رقياً، بل يعتبر انحطاطاً عن هدي الرسول عليه الصلاة السلام، وانحطاطاً إلى مستوى الكفار الذين يحسبون أن التمدن والكمال إنما يكون في القضاء على أكثر الفوارق الظاهرة بين الرجل والمرأة، يقول الشاعر: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن ......
مكانة اللحية عند الفقهاء من السلف وتعظيمهم لها
بلغ من تعظيم الفقهاء للحية أن قال الأئمةأبو حنيفة و أحمد و الثوري رحمهم الله: إن اللحية إذا جني عليها فأزيلت بالكلية ولم ينبت شعرها، فعلى الجاني دية كاملة كما لو قتل صاحبها. وقال فريق آخر من العلماء: فيها حكومة. وعلق الإمام ابن مفلح رحمه الله تعالى معلقاً على مذهب أبي حنيفة و أحمد و الثوري حيث قالوا: إن على الجاني دية كاملة كما لو قتل صاحبها فقال: لأنه أذهب المقصود كله، فأشبه ما لو أذهب ضوء العينين بحيث لم يعد مرة ثانية. قيس بن سعد لم يكن له لحية، فقال الأنصار: (نعم السيد قيس لبطولته وشهامته، ولكن لا لحية له، فوالله لو كانت اللحية تشترى بالدراهم، لاشترينا له لحية ليكمل رجلاً.) وقال بعض بني تميم من رهط الأحنف بن قيس : وددت أنا اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألفاً، وكان الأحنف بن قيس فيه دمامة في ملامحه، و فيه نوع من الميل في رجليه، وكان أعور، وفيه نقص في كثير من الصفات الخلقية، لكنهم لم يذكوا حنفه ولا عوره ولا غير ذلك، وإنما ركزوا على عدم وجود لحية له؛ لأن من لا لحية له يرى عند العقلاء ناقصاً. وذكر عن شريح القاضي أنه قال: وددت لو أن لي لحية بعشرة آلاف درهم. فإذاً: نحن نتعجب من بعض أهل زماننا! يود أحدهم لو بذل مالاً عظيماً؛ ليعدم لحيته إلى الأبد حتى لا يعاني من حلقها دائماً! يقول الشاعر: ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فإذا كانت اللحية زينة وتكريماً ففي المقابل فحلق اللحية مهانة للإنسان في الحقيقة؛ لأن أئمة الإسلام وعلماء الإسلام لم يوجد من بينهم من حلق لحيته في حياته ولو مرة واحدة إلا إذا كان لعذر المرض. إذاً: الأصل أنه لم يعرف أبداً عن أئمة الهدى هذه المعصية، بل إن بعض الأمراء في بعض الأزمان لم يكونوا متفقهين في الدين، ومع ذلك كانوا إذا أرادوا أن يؤدبوا فرداً من أفراد الرعية لخطأ ارتكبه يحلقون لحيته، ويركبونه دابة ويجولون به بين الناس في الأسواق تعزيراً له، لكن الفقهاء قالوا: يجوز للحاكم أو الأمير التعزير بحلق الرأس لا اللحية؛ لأن حلقها حرام. ألا تتأمل أن الله سبحانه وتعالى ما شرع للرجال أن يحلقوا لحاهم في الحج أو العمرة عند التحلل من الإحرام، إنما شرع لهم حلق الرأس فقط أو التقصير؟! أما اللحية فهل هناك دليل من الكتاب أو السنة يدل على أن اللحية تحلق عند التحلل من الإحرام؟ ابن عمر والذي هو: كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه، ويتشبث بعض الناس بفعل ابن عمر ويقولون: ابن عمر فعل كذا، نقول: نعم ابن عمر فعل ذلك، لكن هل أنتم تتركون لحاكم وتأخذون ما زاد عن القبضة؟! قال بعض العلماء: إن ابن عمر أراد أن يجمع بين الحلق والتقصير، فذهب في معنى قوله تعالى: ]مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ][الفتح:27] أي: محلقين رءوسكم ومقصرين لحاكم، فكان يأخذ منها ما فضل على القبضة، والله تعالى أعلم. بلغ أيضاً من تعظيم السلف لشأن اللحية أن رتبوا على حلقها عقوبة اجتماعية قاسية، وهي رد الشهادة، وقد جاء عن بعض الفقهاء: أن من تعمد حلقها يؤدب وترد شهادته. وقال العلامة الدسوقي : يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه، ويؤدب فاعل ذلك. أيضاً: إذا كان إعفاء اللحية زينة وتكريماً، فحلقها مهانة؛ لأن حلقها مثلة، والمثلة مثل الذي يقطع أذن إنسان أو أنفه أو يفقأ عينه وغير ذلك. فعن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبى والمثلة) رواه البخاري ، والمثلة: هي التشويه. وعن سمرة و عمران بن حصين رضي الله عنهما قالا: (ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة) إسناده جيد. وروى ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه قال: (إن حلق اللحية مثلة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة). وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع: واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز. فإذا كان بعض العلماء عد قص اللحية مثلة، وعد بعضهم استئصال الشارب بالحلق مثلة، فماذا عن استئصال اللحية كلها؟ إن الوجه عضو مكرم، وهو مجمع المحاسن والحواس، فمن حق الوجه الصيانة لا المثلة والإهانة، وهذا ما علمناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه). ولذلك يزجر العلماء عن لعبة الملاكمة أو بتعبير أدق عن الضرب في الوجه؛ لأنه لا يجوز أن تضرب المسلم أبداً في وجهه؛ لأن الوجه مكرم، وينبغي أن تحترم الوجه وتصونه عن أي إهانة أو مثلة. فهنا أمر لضبط النفس حتى في حالة الغضب، إن كان ولابد أن يحصل بينك وبين أخيك نوع من العراك أو الشجار أو القتال فاجتنب الوجه، فلا تضرب الوجه. يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه)، وفي لفظ: (فلا يلطمن الوجه)، فلا تضرب أبداً أحداً على الوجه، لا تضرب ابنك ولا أخاك ولا أي أحد على الوجه؛ لأنه منهي عنه. رأى سويد بن مقرن رضي الله تعالى عنه رجلاً لطم غلامه، فقال: (أوما علمت أن الصورة محترمة) رواه مسلم . والصورة هي الوجه كما جاء في الحديث: (الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فلا صورة). ونحن نعجب أيضاً من أهل زماننا الذين يهنئون من يشوه خلقته ويمثل بوجهه، ويحلق لحيته؛ بقولهم له: نعيماً، يقول الشيخ عائض القرني : جحيماً وليس نعيماً! ......

فتاوى العلماء في إعفاء اللحية وحلقها
أخيراً نذكر بعض النقول ولا نطيل بذكرها؛ لإقناع هؤلاء الذين يتذرعون بكلام المذاهب، ويدعون أن المذاهب تجيز حلق اللحية، أي: مذاهب هذا الزمان، وبعض الناس في هذا الزمان يقولون: إن إعفاء اللحية من أمور العادات وليست من السنن، فنقول: لا التفات لهذا الكلام بعدما سمعنا الأدلة الصحيحة على هذا الحكم الشرعي. هنا فتوى عن اللحية وردت من الشيخ جاد الحق علي جاد الحق لما كان مفتياً لجمهورية مصر العربية، وهذه الفتوى موجودة في الفتاوى الإسلامية الرسمية الصادرة باسم الأزهر برقم (1282) مبادئ الفتوى: الأول: إطلاق اللحى من سنن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها. الثاني: إتلاف شعر اللحية بحيث لا ينبت بعده جناية توجب الدية، على خلاف في مقدارها. الثالث: إطلاق الأفراد المجندين للحى اتباع لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك، ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها أو عقابهم بسبب إطلاقها. وسئل فضيلة شيخ الأزهر جاد الحق كما في الكتاب (60/81) المؤرخ في 12/6/ 1981م منفرد برقم (194) سنة (1985م) والسؤال: طلب بيان الرأي عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، حيث إن قسم القضاء العسكري قد طلب الإفتاء بخصوص ذلك الموضوع لوجود حالات لديها؟ أجاب المفتي فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق قائلاً: إن البخاري روى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب). وفي صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى). وفي صحيح مسلم أيضاً عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال بعض الرواة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة). قال الإمام النووي في شرحه لحديث: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى): إنه وردت روايات خمس في ترك اللحية، وكلها على اختلاف في ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفائها من الحلق. ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذي روته عائشة: (عشر من الفطرة). ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه، ما أشار إليه فقه الإمام الشافعي من أنه يجوز التعزير بحلق الرأس لا اللحية، وظاهر هذا حرمة حلقها على رأي أكثر المتأخرين. ونقل ابن قدامة الحنبلي في المغني: أن الدية تجب في شعر اللحية عند أحمد و أبي حنيفة و الثوري ، وقال الشافعي و مالك : فيه حكومة عدل. وهذا يشير أيضاً إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدي بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التي تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة و أحمد و الثوري ، أو حكومة يقدرها الخبراء والعدول كما قال الإمامان مالك و الشافعي ، ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه في الإسلام، وأنه من سننه التي ينبغي المحافظة عليها. ولما كان إطلاق الأفراد المجندين للحى اتباعاً لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك، ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها أو عقابهم بسبب إطلاقها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وهم متبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام، ولما كانوا في إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم في الالتزام بأحكام الدين وفرائضه وسننه؛ لما في ذلك من زيادة همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق والالتزام عن طيب نفس، حيث يعملون بإيمان وإخلاص. وتبعاً لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمداً لأوامر عسكرية؛ لأنه باشتراط وجود هذا الأمر فإنها فيما يبدو لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد أو تقل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم. ولا يقال: إن مخالفة المشركين تقتضي الآن حلق اللحى؛ لأن كثيرين من غير المسلمين في الجيوش وفي خارجها يطلقون اللحى؛ لأنه شتان بين من يطلقها عبادة في الدفاع عن سنة الإسلام، وبين من يطلقها لمجرد التجمل وإبقاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول: منقاد لعبادة يثاب عليها إن شاء الله تعالى، والآخر: يرضى بها كالثوب الذي يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهي مهمته. ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم:]أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى/]العلق:9-14] والله سبحانه وتعالى أعلم. فهذه كلمة حق طيبة جزاه الله خيراً عنها. نقول: حتى لو اعتبر هذا الأمر -إعفاء اللحية- من الأمور الشخصية ومن الحريات الشخصية، فلماذا يعطى كل إنسان حرية شخصية ما عدا من يفعل هذه الأشياء طاعة ومحبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام؟! تجد المسلم يمتحن بسبب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضطهد؛ لأنه أظهر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به! فأين ذهبت عقول القوم؟! اليهود في أمريكا وضعهم أقوى من وضعهم في إسرائيل نفسها، لكن لا يمكن أن ترى يهودياً حالقاً للحية، ولا ترى يهودياً ليس في وجهه شعر، إلا الصبي الصغير الأمرد الذي ما نبتت لحيته بعد، وترى لحاهم طويلة جداً، لكن تجدهم يطيلون الشوارب. فإن كانت هذه البلاد الكافرة قد تركت لهم الحرية في إطلاق اللحى فنحن من باب أولى؛ لأن الإسلام أمرنا بذلك. ونحن مضطرون أن نستدل بهدي أمريكا لمن يعبدون أمريكا، هناك منظمة في أمريكا أعضاؤها الآلاف من المجندين الأمريكان الذين ذهبوا إلى السعودية في حرب الخليج، وقام بعض الإخوة والدعاة الأفاضل جزاهم الله خيراً بدعوتهم، وإعطائهم النسخ من المصاحف المترجمة باللغة الانجليزية، ونشطوا جداً فيما بينهم؛ فانتشر الإسلام فيهم انتشاراً عجيباً، وأسلم الآلاف منهم، ولما كنت في بريطانيا قابلت أحد الإخوة الكنديين، وهو من الإخوة الأفاضل من أهل التوحيد والعلم، وله كتب قيمة جداً كلها بالإنكليزية، وكان يحاضر ويتكلم على قوله تبارك وتعالى:]وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ][البقرة:216] فقال: إن هذا البلاء قد يترتب عليه كثير من الخير، كهذا الذي حصل من إسلام الآلاف من المجندين الأمريكان ودخولهم في حوزة الإسلام، وهؤلاء الجنود لما رجعوا إلى أمريكا كونوا منظمة باسم: منظمة العسكريين الأمريكان المسلمين! ويقول هذا الأخ: أنا ذهبت إلى هذه المنظمة حين دعوني وحاضرتهم عن الإسلام. وقد نشرت جرائد الأسبوع الماضي هنا في مصر خبراً نختم به الكلام هو: أن الحكومة الأمريكية أصدرت قراراً بالسماح للمجندات الأمريكيات المنضمات إلى هذه المنطمة بارتداء الحجاب بناء على أن الدستور الأمريكي يكفل حرية الديانة واحترام الأديان... إلى آخر هذا الكلام! فهذه هي أمريكا يا من تنظرون إليها بمنتهى الخضوع والخشوع، وكأن لسان حالكم يقول لـبوش : فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين (الله) خراب وهذا هو الواقع!! إذا صح منك - أي: يا بوش - الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ......


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس